-A +A
عيسى الحليان
أكثر من 190 ألف موظف في القطاع الخاص سبق وأن تقدموا بطلبات توظيف لدى الحكومة وهم على رأس العمل، وهو رقم رسمي صادر من وزارة الخدمة المدنية!

وفي اعتقادي أن البقية لو حصلوا على فرص توظيف كافية في هذا القطاع، ولو بنصف الراتب لفعلوا الشيء ذاته، وهم عندما يقومون بذلك فهم قطعا لا يفعلونه عبثا، وإنما يزنون مصالحهم بميزان دقيق، كم أعطى وكم آخذ، كم لي وكم علي، وبالتالي كم يكون الفرق بين الاثنين، وهو قطعا في صالح الموظف، لكن ما يهمني هنا هو الطرف الخاسر من طرفي هذه المعادلة، وكم مجموع هذه الخسارة إذا احتسبت بهذه الطريقة مع البقية الباقية من موظفي الدولة؟ وكم يمثل هذا الفرق في كشف حساب الثروة الوطنية المادية والبشرية في آن واحد، وكم يمثل هذا الفاقد المباشر من إجمالي فاتورة الرواتب الحكومية؟ ولماذا هذه المسألة التي يعلمها حتى العامة غائبة عن بال المشرعين الحكوميين وأصحاب القرار في هذا الجانب؟ كنت عند مدير أحد البنوك فسألته عن أسباب دوران العمالة في البنك بهذه الصورة، فأنا لا أكاد أتعرف على شاب أمام «كاونتر» الخدمات المصرفية إلاّ وأجد موظفا جديدا على مكتبه بعد بضعة شهور، فقال إن متوسط راتب الموظف 6500 ريال لكنه لو يحصل على وظيفة بنصف الراتب في الحكومة، فإنه سرعان ما يترك عمله فورا، ربما من غير حتى تقديم استقالة!


هذا التشوه الهيكلي الذي أصاب صميم العلاقة بين الإنتاج والأجور وهما طرفا المعادلة هنا أطاح بمسلمات ونظريات عديدة عادة ما تحكم جوهر هذه العلاقة، وهو ما أدى إلى تداعيات خطيرة في تشكيل ثقافة العمل في البلد لاتزال للأسف دون قياس فضلا عن العلاج، ولم تفض مثل هذه العلاقة عن إيجاد وظيفة حكومية مشوهة من دون مواصفات أو معايير، وإنما تركت ظلالها أيضا على القطاع الخاص وبالسالب، لأن سوق العمل في نهاية المطاف سوق واحدة وترتبط بميزان دقيق مع قانون العرض والطلب، وهنا لا أعرف لماذا يهتم هؤلاء المشرعون الحكوميون بتنظيم علاقة العمل في القطاع الخاص ما للموظف وما عليه، متى يفصل ومتى يعود، ويتم تشكيل اللجان العمالية التي تقوم بدور المحاكم العمالية للفصل بين حقوق الشركة وحقوق العامل، لكنهم لا يفعلون الشيء نفسه بالنسبة للوظيفة الحكومية التي هي أولى بهذه التشريعات من القطاع الخاص!.