-A +A
حسين شبكشي
صناعة الطيران والخطوط المقدمة لهذه الخدمة هي أحد أهم الروافد الاقتصادية في البلدان حول العالم سواء أكانت شركات الطيران هذه ذات ملكية عامة للدول نفسها أو ذات ملكية خاصة. في حقبة الستينات الميلادية من القرن الماضي كانت النجوم المتألقة في سماء عالم الطيران هي شركات الطيران الأمريكية مثل تي دبليو أيه وبان آم وايسترن. ثم جاءت مرحلة السبعينات التي عرفت بحقبة الشركات الأوروبية وشهدت تألق البريطانية ولوفنهانزا الألمانية وسويس أير والفرنسية والكى أل أم والساس الاسكندنافية، وعرفت هذه الشركات بأنها الأهم والأرقى واستمرت حقبتها فترة طويلة حتى جاءت نهاية الثمانينات والتسعينات وصعدت بقوة الخطوط الآسيوية وباتت أسماء مثل الخطوط السنغافورية والخطوط التايلندية وكاثي باسيفيك والخطوط الماليزية رمزا وأيقونة للنجاح والتميز وحصدت الجوائز تلو الأخرى. ثم جاءت حقبة الألفية الجديدة وجاءت معها مرحلة التميز والتألق للخطوط الخليجية وتحديدا خطوط الإمارات والقطرية وطيران الاتحاد وطيران الخليج وهي جميعها باتت رمزا للتفوق وقوة الانتشار ومضربا للأمثال على جودة الخدمة وحداثة الأسطول حتى تحولت هذه الشركات إلى المعيار الجديد الذي تقاس وتقيم به الشركات المنافسة، بل إنها أثارت حفيظة الاتحاد الأوروبي وحكومتي كندا والولايات المتحدة الأمريكية الذين طالبوا بوقفها وعدم منحها مزايا جديدة لأنها تشكل «خطرا» و«تهدد» شركات الطيران الوطنية. ومع شديد الأسف عند مقارنة الناقل الوطني السعودية «الخطوط السعودية» مع إنجازات جاراتها في منطقة الخليج العربي يكون المشهد حزينا جدا، فالفجوة هائلة والمقارنة بائسة. في سبعينات القرن الماضي كانت الخطوط السعودية رائدة ومتألقة عربيا، وكانت حتى منتصف الثمانينات سباقة في خطواتها التطويرية، ولكنها اليوم تقهقرت إلى مراحل مقلقة وفقدت الميزة التنافسية مع الشركات الأخرى. الغريب أن الخطوط السعودية التي لديها ميزة تنافسية فريدة هي الناقل الوطني لبلد الحرمين الشريفين مقصد المسلمين حول العالم (بالرغم من وجود منافسة من شركات طيران أخرى لهذا الغرض)، إلا أن الشركة الوطنية لبلاد الحرمين من البديهي أن يكون لها ميزة خاصة في ذلك الأمر ومع ذلك تبقى الأرقام المنجزة في نقل الحجاج والمعتمرين «ضعيفة». ومن المعروف اليوم أن رؤية 2030 التي تبنتها المملكة العربية السعودية لصياغة مستقبل اقتصادها سيكون أحد أهم بنودها رفع عدد المعتمرين والزوار والحجاج إلى أرقام هائلة في فترة قريبة، وعلى الناقل الوطني دور مهم في تحقيق ذلك الهدف العام، ولكن حتى اليوم تبقى طريقة إدارة الخطوط السعودية دون المستوى ودون الطموح. حجم الشكاوى من رداءة الخدمة وسوء الجدول وعدم الالتزام بالمواعيد وتعاسة الصيانة وعدم احترام الركاب باتت أسطورية من كثرة تكرارها الدائم والمستمر. معايير واختيارات التنفيذيين غير السعوديين لا تبشر بخير، فالكفاءات التي تم اعتمادها ليست «الأفضل» وليست هي التي ستنقل الخطوط السعودية إلى العالم الأول كما هو منشود وهذه الاختيارات تذكرني بنفس ما تقوم به الأندية الرياضية في بلادنا التي تأتي بنجم كروي عالمي كبير في مرحلة متقدمة جدا من العمر وشارف على الاعتزال ويتعاقدون معه على أية حال فقط لتحقيق «إنجاز التعاقد مع نجم».

الخطوط السعودية بحاجة ماسة لغربلة إدارية يتم الاعتماد فيها على كفاءات مميزة ومختلفة سواء بالنجوم الدوليين الذي يستطيعون صناعة الفارق حقيقة وليس مجرد وجه أشقر بعيون زرقاء يحقق معادلة الخبير الأجنبي أو الكفاءات المحلية المميزة. المطلوب فصل الخطوط الدولية عن الخطوط المحلية تماما فهي باتت مسألة حيوية جدا ولا تتحمل الانتظار. المثال الناجح للخطوط الناجحة هو نصب أعيننا ولا داعي لإعادة اختراع العجلة، فلننظر ماذا فعلت الخطوط الناجحة ويتم تقليدها بالاستعانة بالخبرات المثبت نجاحها والإتيان بها والاستغناء التام عن سياسات التعيين بالمجاملة والمحسوبيات. الخطوط السعودية ليست فقط شركة طيران، ولكنها واجهة البلاد الحضارية التي تعكس الكثير عن الصورة الذهنية التي نرغب في تقديمها وتصويرها.


الخطوط السعودية بوضعها الحالي لا يسر والمسألة تتطلب روحا جديدة ورؤية مغايرة تستطيع أن تنافس بها الكبار، فليس من المعقول أن تقبل المقارنة بخطوط إقليمية هي نفسها في وضع بائس وتعتبر ذلك انجازا.