-A +A
عيسى الحليان
إبان ذروة الإنفاق الحكومي (2014 – 2015م) كانت 75% من موارد الدولة تصرف على المرتبات والتعليم فقط وفقاً لمعالي وزير المالية آنذاك، وإذا ما علمنا بأن 85% من نفقات التعليم تصرف أساساً على المرتبات، فهذا يعني أن المرتبات (كبند استهلاك عام) تشكل نسبة عالية من الموارد العامة على حساب برامج الاستثمار والمشاريع الرأسمالية، هذا خلاف ما يصرف على القواعد والمقررات وغيرها من بنود أخرى مماثلة، فخلال عشر سنوات فقط ارتفع عدد موظفي الدولة بنسبة كبيرة تقترب من الضعف تقريبا بعد أن وصل إلى 1.2 مليون موظف في حين كان يدور حول 700 ألف تقريباً قبل هذه المدة وهو ما يعني أن نسبة التوسع في التوظيف الحكومي كانت تقارب 8% سنوياً، ولو كان هذا التوظيف يرفع من مستوى المؤشرات العامة في البلد أو ينعكس على جودة التعليم أو الصحة أو الخدمات العامة لما كان ثمة مشكلة إطلاقا (لأن سمننا في دقيقنا) لكن ما ينبغي أن نتوقف عنده هنا لا يتعلق بكون هذه الأرقام تتعلق بأولويات التنمية فقط، ولكن للاستفادة من هذه الموارد البشرية وكفاءة استخدامها أيضا عن طريق حوكمة هذه الجهات الحكومية وإعادة إنتاج معايير كفاءة الاستخدام خصوصاً أن هذه البنود غير قابلة للترشيد لأنها الجانب الثابت في الميزانية، فيما بقية البنود الأخرى متحركة كالبنية التحتية وبرامج الاستثمار العام، وهو أمر متعارف عليه في أدبيات الإنفاق، وبالتالي فإن هذا الانتفاخ في هذه البنود سيكون لاحقاً على حساب صحة بنود أخرى ربما تكون أكثر أولوية في معايير التنمية المستدامة إذا ما علمنا أن هذا البند لا يشكل في معظم الدول أكثر من 25% من مواردها.

لا أعرف من الذي يقرر هذه الوظائف وما هي الأسس التي تعتمد لإقرارها وما هي معايير الكفاءة... إلخ، إذا علمنا بأن ليس ثمة فترة تجربة، فالزواج الوظيفي نهائي وغير قابل للطلاق إلا من طرف واحد، وهي معادلة غريبة لا يدفع ثمنها عادة سوى الوطن، اليوم كم نسبة الوظائف الهلامية إلى الوظائف الإنتاجية، وكم نسبة الذين يحضر أصحابها مقارنة مع الذين لا يحضرون (أو المسرحين عن العمل طواعية) وكم نسبة هذه الوظائف بالمراتب العليا إلى المراتب المتوسطة والصغيرة، كل يعرف وساكت، وهذ قطعا على حساب العائد من التغذية الراجعة للوطن من وراء هذه الخدمة.


هذه كلها موارد يمكن ترشيدها وخدمات يمكن رفعها لو كان ثمة إصلاحات في بنية هذا النظام واستثمار لمواطن القوة في هذه الثروة البشرية العاملة، خلاف أن التجارب العالمية تشير أصلا إلى منح 60% من الخدمات الحكومية إلى القطاع الخاص، وبالتالي خفض التكلفة بنسبة 40% مع رفع نسبة الجودة بنسبة مماثلة، ومن بين هذه الدول التي طبقت هذا النظام الولايات المتحدة باعتمادها نظام A-76.