-A +A
حمود أبو طالب
صباح أمس، دلفت صالة الفرسان بمطار جدة فوجدتها مبهجة وجميلة بشكل غير مسبوق. تمهلوا قليلا، لا يسرح خيالكم بعيداً وتظنوا أنها أصبحت فجأة من فئة النجوم الخمس كبقية الصالات الخاصة في مطارات العالم من حيث التأثيث والخدمات والعناية الفائقة بالمسافر. ليس هذا ما أقصده لأنه إلى الآن غير متوفر، والرجاء الوحيد هو افتتاح المطار الجديد الذي أصبح موعده في حكم الغيب بعد كثرة الوعود والمواعيد المتتالية. ما أقصده أيها السيدات والسادة هو الملمح المشرق للفتاة السعودية المتحضرة الواعية المهذبة المؤدبة والمهنية أيضا في مكان كهذا يتطلب مهارات ومواصفات دقيقة في التعامل مع عدد هائل من المسافرين المختلفين في الأفهام والعادات والاحتياجات.

بعد أن استقبلتني في المدخل شابة بكامل حشمتها وتهذيبها وقامت بتسجيل دخولي، اتخذتُ مقعدا وانغمست في قراءة الصحف، وإذا بفتاة تتفقد المكان بعناية وحرص وكأنها تتفقد منزلها. ترتب الكراسي، تمسح بعينيها الطاولات لتتأكد من نظافتها ووجود ما يلزم عليها، تطوف بركن الطعام للاطمئنان على توفر أصنافه ورضا المسافرين على جودته، تفعل كل هذا بمهنية وثقة تؤكد حبها واعتزازها بعملها.


قبل خروجي من الصالة ذهبت إلى حيث تقف مع زميلاتها وزملائها لأسألها عن طبيعة مسؤوليتها فأخبرتني أنها مشرفة، وبفضول الكاتب وبعد أن أكدت لها فخري واعتزازي بها وبزميلاتها سألتها كيف يتقبل المسافرون من بني جلدتنا وجودك وزميلاتك في هذا المكان، وهل ثمة مضايقات من أي نوع، أو تجاوز غير مقبول. كان جوابها مؤكدا لرهاننا الدائم على مجتمعنا بأن فطرته الخير والطيبة والاحترام. أكدت أنهن يقابلن كل الاحترام والتقدير والتشجيع، عدا قلة قليلة جدا قدمت لهن بعض النصائح، ومنها البحث عن عمل غير هذا، وجهة نظر نقابلها بالاحترام طالما لم تتجاوز حد النصح وبأسلوب مهذب. هكذا قالت.

في طريقي إلى البوابة، وبعد مشاهدتي لفتيات يقفن بثقة واعتداد في قسم المبيعات، أعاد هذا الموقف إلى ذاكرتي مقالا قديما طالبت فيه بضم الفتاة السعودية إلى كوادر الخطوط السعودية في الأماكن المناسبة ومنها مثل هذا المكان. قامت الدنيا حينها ولم تقعد، لم أهتم وراهنت على الوقت والوعي. وها هو اليوم الذي نرى فيه ما ظنه البعض مستحيلا يصبح واقعا جميلا. مجتمعنا ليس كله شياطين تبحث عن الغوايات والخطايا، مجتمع بشري كغيره وعلينا أن نقدم حسن الظن به، والشاذ سوف يعاقبه القانون ويلفظه المجتمع.