-A +A
محمد أبو داود
اشتهر الأمير الشجاع المقدام محمد الفيصل في وقت لم يكن هنالك وسائل تواصل اجتماعي ولا شبكات تلفزيون عالمية مثل سي ان ان وسكاي. سبق الجميع بوجوده في الإعلام العالمي. وكان من مجموعة نادرة في تلك الحقبة مثل الملك فيصل، رحمه الله، والسادات من العالم العربي. كما عرفناه رجلا ترك بصمة واضحة في تاريخ المملكة العربية السعودية. وأول ما عرفناه كان تسلمه أهم مشاريع التنمية في المملكة. حيث اشتهر أولا ببناء محطات التحلية في طفرة كانت الأولى للمملكة، وكان معروفا عنه الابتكار في مجالاته. وأذكر أن الصحافة العالمية اهتمت بفكره عندما تحدث عن جلب المياه من القطب بوسيلة أعجبتني وكان بودي تجربتها كمهندس، وإن استغرب الآخرون لعدم فهمهم لأهمية التجربة عالميا وليس عربيا فقط. والتجربة لم يجرؤ أحد على طرحها غيره وكانت في عهد رخص قيمة الوقود ممكنة تجاريا. والغريب أني كنت في زيارة للصين العام الماضي وهم يتكلمون عن فكرة ليست بعيدة عن أفكار الأمير محمد. أضف لذلك أنه كان أول من تكلم ونفذ فكرة الصيرفة الإسلامية. وتحمل الكثير من المقاومة لفكره. ولم يستسلم أبدا. وكان يمتعنا دوما بمحاضراته عن الاقتصاد الإسلامي. ووضع ثروته فيها وخاطر وتحمل ما لا يتحمله الرجال الكبار. كل هذا ولم أشاهده إلا مبتسما دوما يدخل السرور لمن حوله. قيادي حقيقي ورجل نادر ومميز ومحبوب. أجمع الناس على حبه. ولا أعرف أحدا لا يحب الأمير محمد الفيصل، وإذا ذكر مدحه الناس. ويحكى أن رئيس وزراء دولة عربية وفي زيارة للأمير وبحضور بعض السعوديين مع الأمير محمد، قال للوزراء الحاضرين من دولته إذا طلب الأمير منكم أي شيء في أي وقت اعتبروا هذا طلبا مني. هكذا عامله القادة بكل احترام وتقدير. والشاهد على هذه القصة حي يرزق ويعمل في الصيرفة الإسلامية إلى يومنا هذا. والشيء بالشيء يذكر، فابنه الأمير عمرو حفيد قامات شامخة في التاريخ العربي الملك فيصل والسياسي المشهور عبدالرحمن عزام باشا المعروف ودوره في إنشاء جامعة الدول العربية. وكذلك بنات الأمير المبدعات، ومن أوائل القيادات الشابة الأميرتان مها وريم وهما غنيتان عن التعريف. إن جيل الأمير محمد الفيصل العصامي نشاهده في إخوانه الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، والأمير تركي السفير فوق العادة ورئيس جهاز الاستخبارات إلى حين تقاعده المبكر، وإخوانهم جميعا وما قدموه لهذا الوطن. وهذا لا يستغرب على من كان والدهم الشهيد الملك فيصل، الذي حمل مسؤولية وطن، وإنجازاته واضحة، وأكملها إخوانه إلى عهد ملك الحزم سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله. سنفتقد الأمير محمد الفيصل كثيرا، ومحبوه في العالم الإسلامي وليس فقط في المملكة العربية السعودية. وسيفتقده كل محبيه في مجال الاقتصاد الإسلامي، ومشاركاته السنوية فيها، ولكن يعزيهم ما تركه من إنجازات، رحمه الله، وذكر حسن له ولعائلته الكريمة، وهم لنا أهل. وهذا ليس نفاقا بل حقيقة نلمسها عند جلوسنا معهم، ومشاركتهم لأحزاننا وأفراحنا كما نشاركهم أفراحهم وأحزانهم. وهذه ميزة تميز هذا البلد العظيم، لأننا جميعا قلب واحد بجميع أطيافنا، وليحفظ الله علينا ديننا وقيادتنا ووطننا وشعبنا. ورحم الله الأمير محمد وأسكنه فسيح جناته.