-A +A
عزيزة المانع
شاهدت فيديو قصيرا يمثل لقطة لعروسين وهما يقطعان كيكة العرس، أخذ العريس قطعة وأطعمها لعروسه، منتظرا منها أن تفعل الشيء نفسه، لكنها أحبت مداعبته فصارت تقرب الشوكة من فمه وكلما حاول أن يلتقط قطعة الكيك تبعدها عنه، كررت الفعل بضع مرات، فاستشاط غيظا وضرب ذراعها بعنف أسقط الشوكة من يدها!!

هذه اللقطة يفترض أنها تتداول للضحك من ردة فعل العريس غير المتوقعة، لكنها أيضا نالت قدرا كبيرا من التعليقات الساخنة. ما يهم في هذه التعليقات ما كان منها موجها للوم العروس، كقول (العروس تستاهل ما جاها، لأنها استفزته)!


المبادرة إلى لوم الضحية عند وقوع الاعتداء، هي من المظاهر الشائعة في ثقافة الناس عامة، مثل ما حدث قبل أيام قليلة حين انهال بعض الناس باللوم على ضحايا الجريمة الإرهابية التي وقعت في تركيا، بزعم أن وجودهم في مكان مشبوه هو الذي عرضهم لذلك، ومثل لوم المرأة التي تتعرض للتحرش، بحجة أنها متبرجة أو تعمل في مكان مختلط، أو لوم المرأة التي تتعرض للعنف الأسري، بحجة أنها تعاند المعنف أو تفعل ما يستفزه، أو لوم الأطباء أو غيرهم من العاملين في الخدمات العامة عندما يعتدي عليهم بعض المراجعين، بحجة أنهم مقصرون في أداء واجبهم، أو غير ذلك من حالات كثيرة يصرف فيها الناس اللوم إلى الضحية بما يجعلها تبدو شريكا في الاعتداء الذي تعرضت له.

ما الذي يدفع بالناس إلى لوم الضحية؟

بعض الدراسات النفسية التي أجريت على هذه المسألة، تفسر مبادرة الناس إلى لوم الضحية على أنها ردة فعل منهم نابعة من اللاوعي، تهدف إلى بعث الطمأنينة إلى قلوبهم بأنهم لن يقع لهم مثل ما وقع للضحية، فإلقاء اللوم على الضحية وعدها شريكا في الاعتداء الذي وقع عليها، يجعلهم يتصورون أن تلك الاعتداءات لم تحصل إلا بسبب سوء تصرف الضحايا، ومادام أنهم لا يسيئون التصرف مثلهم فإنهم آمنون من أن يقع عليهم شيء مشابه.

قضية لوم الضحية، هي من القضايا العالمية التي أجريت حولها دراسات اجتماعية ونفسية كثيرة، وقد وجدت بعض الدراسات أن طريقة التغطية الإعلامية لها أثر في زيادة أو خفض لوم الضحية، فعندما يكون التركيز في التغطية على المعتدي ينخفض لوم الضحية، وعندما يكون التركيز فيها على الضحية، (حتى وإن كان بصيغة التعاطف معها) يزيد اللوم لها.

لوم الضحية ليس أنه يزيد في معاناتها النفسية حين تشعر أنها كانت سببا فيما حدث فحسب، وإنما أيضا يكون دافعا لها إلى الصمت على الاعتداء وتجنب الشكوى. وفي الوقت نفسه، يمد المعتدي بشيء من القوة النفسية، لأنه يقسم مسؤولية الاعتداء بينه وبين الضحية، وذلك يخفف عنه الشعور بالذنب ويزوده بمسوغ للاعتداء الذي حصل منه.