-A +A
هاني الظاهري
معظم رسائل الأحبة القراء والمتابعين التي تلقيتها الأسبوع الماضي تعقيبا على مقالتي (مطعم أم ملهى ليلي)، تتناول بشكل خاص الجزئية التي أشرت فيها إلى حاجتنا الماسة إلى إدخال منهج أساسي للأخلاق ضمن المواد الدراسية في مراحل التعليم العام، مع مراعاة عدم ربطه بأي منهج آخر لأسباب موضوعية قد لا يعيها كثير من الناس الطيبين في هذه البقعة من العالم.

بعض القراء اعترضوا على فكرة الفصل بين الأخلاق والمبادئ الشرعية موضحين أن الأخلاق من صميم المبادئ، وهذا شيء لاخلاف عليه إطلاقا فالله عز وجل امتدح خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم)، والإسلام جاء متمما لمكارم الأخلاق وهذا يؤكد أن الأخلاق موجودة أولا.. هي أمور مفروغ منها وليست محور الطرح أساسا، فالقراءة على سبيل المثال أول أمر ديني افتتح به الله وحيه على نبيه لكننا لا نأخذ مادة القراءة كجزء من مناهج التوحيد والفقه والتفسير بل لها منهج مستقل وأدبيات مختلفة، وهذا ما يجب أن يكون عليه منهج الأخلاق الذي أتحدث عنه.


الإشكالية القائمة في تدريس المبادئ الأخلاقية ضمن المناهج الشرعية بشكل عمومي هي أن الإنسان الذي يدرس آلاف الصفحات الشرعية لا يمكن أن يكون ملتزما بها بنسبة 100% ومن الطبيعي أن ينتهكها بالصغائر أحيانا والكبائر أحيانا أخرى لأن الذنب طبيعة بشرية ولذلك وجد الاستغفار وكان الله غفورا رحيما، لكن هذا يجعل الإنسان في حال صنفت الأخلاق كممارسات شرعية وسيعتبرها من الذنوب الخاضعة للمغفرة، وهو أمر لا يتماشى مع طبيعة الأخلاق التي هي عبارة عن قوانين ومواثيق بشرية اجتماعية صارمة.. وعلى منتهكها أن يبحث عن مغفرة ضميره أولا ومغفرة مجتمعه ثانيا ومغفرة قبيلته ومواطنته ثالثا.. وهكذا.

قد تردع الأخلاق المنحرف دينيا عن ارتكاب الجريمة، وتمنعه من فعل كل ما يسيء لسمعته وسمعة أسرته ووطنه، فيما لا تفعل التعاليم ذلك، لأنه إما لا يهتم لها بشكل عام، أو يفسرها بطريقة خاطئة وتعسفية كما تفعل التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة، ومن المعروف أن عرب الجاهلية المشركين كانوا من أكثر الناس تمسكا بالأخلاق والقيم رغم عدائهم للإسلام، فلا هم يغدرون بالغريب المستأمن كما يفعل المسلم الإرهابي، ولا يقبلون خيانة العهد والكذب كما يخون الإرهابيون اليوم عهود أوطانهم، والتاريخ يذكرنا دائما بقصة رأس المشركين في مكة أبي جهل الذي منعته أخلاقه من أفعال لا يتردد بعض المسلمين المتطرفين عن فعلها في هذا العصر.. فعندما أرادت قريش قتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال له أحد المشركين: «ندخل عليه بيته ونقتله وهو نائم في فراشه»، فما كان رد أبي جهل إلا أن قال لمحدثه وهو ينتفض غضبا من الاقتراح غير الأخلاقي: «ثكلتك أمك هل تريد أن تتحدث العرب بأن أبا الحكم يُرَوِّع بنات محمد؟ لا والله لا نتسور عليه داره!».

إنها أخلاق الفرسان التي لم يتعلمها رأس مشركي قريش من المناهج وإلا لكان اختلق اجتهادا فقهيا يحلل انتهاكها كما يفعل فقهاء التطرف في زمننا هذا، فهل نعي ذلك وندرك ما فاتنا بفرض منهج للأخلاق في مدارسنا فورا.. لعلنا نتمكن عن قريب من إصلاح ما أفسده الظلاميون في مجتمعنا الطيب طوال عقود.