-A +A
عيسى الحليان
على الرغم من الانخفاض الكبير في أسعار المواد الخام والسلع الاستهلاكية في الأسواق العالمية، ورغم ارتفاع قيمة صرف الريال السعودي أمام عملات 17 دولة تستحوذ على 84% من إجمالي واردات المملكة، وصلت نسبة بعضها إلى 116%، حيث انخفض سعر الليرة التركية إلى 21.7%، والجنيه الإسترليني إلى 19.5%، واليوان الصيني إلى ٧% وهكذا، إلا أن السوق السعودي بقي صامدا ولم يتجاوب مع هذه المعطيات والمتغيرات الأساسية بالشكل المطلوب والمفترض، وهذه مأساة أسواقنا الاحتكارية المزمنة التي سرعان ما تستجيب مع أول ارتفاع في عملات هذه الدول، أو زيادة في سعر النفط، أو ارتفاع في الرواتب، لكنها لا تفعل الشيء ذاته في حالة الانخفاض، وإن حصل فبنسب طفيفة وليس بنفس نسبة الانخفاض على الوكيل أو الموزع وبما يمكن تسميته تضليلا مدروسا لسلع معينة وظاهرة، ولذلك فإننا أحوج ما نكون لتفكيك هذه الروح الاحتكارية، قبل تفكيك هياكلها التجارية ومنظوماتها الخفية التي تعتمد على فكرة «انهب واهرب»، فليس سرا أن معظم رؤوس أموال هذه الإمبراطوريات الاحتكارية موجودة في الخارج، ومسألة حرية وتنافسية الأسواق كذبة كبيرة لأن 50% من السلع الاستهلاكية يحتكرها 40 تاجرا فقط، وهم الذين يتحكمون بخيوط الأسعار ولعبة العرض والطلب، بعد أن نمت وتراكمت هذه الثقافة الجائرة وأصبح لها أسرارها ودهاقنتها الذين يصطادون في مياه التقلبات السعرية العكرة عندما تكون في صالحهم ويجنون من ورائها أرباحا هائلة، لكنهم يفعلون الشيء نفسه لو حصل العكس بعد أن استطاعوا إبطال مفعول التنافسية التجارية من قانون العرض والطلب.

السوق السعودي سوق حر - لا نختلف على ذلك - لكن الاحتكار، الذي حمته بعض الأنظمة، أفسد مناخ هذه الحرية، فالسوق السعودي حقيقة من أكثر أسواق العالم حرية في الاستيراد والتصدير، ولا قيود على التجارة الداخلية أو الخارجية، ولا ضرائب أو جمارك مرتفعة، ورغم ذلك بقي سوقاً تتحكم في أوصاله عائلات تقليدية تحكم قبضتها عليه، يسندها في ذلك نظام مستبد للوكالات التجارية، إلى أن نمت وتدحرجت هذه الثقافة الاحتكارية وانتقلت عدواها إلى الموزعين وتجار التجزئة، ليبقى هذا الانتفاخ (الكاذب) في الأسعار أمام انخفاض الدخول للمواطن السعودي وزيادة الأعباء المالية عليه من كل جانب.