-A +A
عيسى الحليان
كانت محطات التلفزة العربية الحكومية هي المسيطرة على سماء الصورة والكلمة في المنطقة العربية، وظلت تتفاوت في درجة جمودها وحضورها، خصوصيتها وعموميتها، وبالتالي قربها أو بعدها من وجدان المشاهد العربي تبعا لمقاييس مرجعياتها السياسية والاجتماعية، في حين كانت أعين الجماهير العربية تتسمر أمام بعض هذه الشاشات الهزيلة والموجهة في ظل الفراغ في المحتوى المعلوماتي والترفيهي وغياب المصادر المحايدة للأخبار.

ولأن الزمن لا يرحم، فإن القنوات الفضائية الخاصة التي فتحت السماء على مصراعيها قد جاءت بقضها وقضيضها وألغت هذا الاحتكار الحكومي بطرفة عين، وسحبت البساط من تحتها دون سابق إنذار، ربما عقابا لها لسوء استخدام هذه «النعمة» وسرعان ما تحولت الساحة العربية إلى حقب متلاحقة من هذا الطوفان والموجات المتتالية من القنوات الفضائية التي لم يعد وقت الإنسان يسمح اليوم بمجرد استعراض قائمة أسمائها على الشاشة فقط دون متابعتها.


ترى لو كانت هذه التقنيات التي سمحت لنا بوصول هذه القنوات بغثها وسمينها بيد الدول والجماعات والأفراد كم نحتاج من الوقت، ومن الأخذ والرد، والجدل الاجتماعي والسياسي، حول مدى توافق وملاءمة هذه القنوات مع كل ما هو «سائد» وهو المعيار الاجتماعي التقليدي المعمول به، وكم قناة يمكن أن تنطبق عليها مثل هذه المعايير ويسمح بقبولها في الدخول، وكم قناه ستطالها يد المنع وفقا لهذه المعايير؟

بعد مرور هذه الحقبة هل يمكن القول بأن أشد أعداء هذه القنوات الفضائية والرافضين لدخولها على طول الخط جملة وتفصيلا عبر سلسلة طويلة من الخطب المحمومة والبكائيات الشهيرة المعروفة والموثقة هم من يعتبرون اليوم الأكثر ظهورا على شاشاتها !!

هل نستخلص العبر والدروس من الماضي القريب وننظر فيما حولنا لعلنا نجد بعض هذه المحظورات والجدليات الحالية التي ينطبق عليها اجتماعيا ما كان ينطبق على نسخة القنوات الفضائية؟.