المبدعون الشباب بقدرات فذة تأهلهم لقيادة الجيل القادم. (عكاظ)
المبدعون الشباب بقدرات فذة تأهلهم لقيادة الجيل القادم. (عكاظ)
-A +A
علي الرباعي (الباحة)
اكتسحت أصوات سعودية مبدعة فضاء التواصل الاجتماعي، بلغتها المتميزة، ووعيها المتفرد، وأدائها المدهش، وأسلوبها الفاتن. ولم يكن للمؤسسة الثقافية الرسمية أي دور في تأسيس ثقافتهم، أو الأخذ بأيديهم. إنهم فريق من الشبان والفتيات حضروا دون حاجة إلى مقدمات مستعيدين سيرة أسلافهم. إذ يسلك الصعاليك الجدد مسلك أسلافهم من الصعاليك في التمرد على السائد والمألوف. مع احتفاظ صعاليك اليوم بقيم وعادات وتقاليد المجتمع وأنظمة الدولة. إلا أن التمرد يمثل قاسما مشتركا بين صعاليك الأمس وصعاليك اليوم. اختار صعاليك الأمس غزو القبائل بقصد جمع الأموال من الأغنياء وإعطاء المنبوذين والفقراء، كانت غاراتهم تتركز في المناطق الخصبة وترصد قوافل التجارة وقوافل الحجاج القاصدة مكة المكرمة وكثيرا ما تغنوا بكرمهم وبرهم بأقاربهم لأن ما يحصلون عليه كان يوزع على الأهل والأقارب المحتاجين كما اتسمت لغتهم الشعرية بالترفع والسمو والشعور بالكرامة في الحياة. لم يعترفوا بالمعاهدات أو الاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى ما أدى إلى طردهم من قبل قبائلهم، عاشوا حياة ثورية تحارب الفقر والاضطهاد وتسعى للتحرر في شكله المتمرد، واصطبغت أدبيات الصعاليك برؤيتهم عن الحياة فزخرت قصائدهم بتأرخة شجاعتهم وقدرتهم وتحديهم للمجتمع. يمتاز شعرهم بقوة العاطفة وسعة الخيال والحكمة، وخلوه من المقدمات الطللية، كانوا أول من كسر بنية القصيدة الجاهلية كما خلا شعرهم من المدح والطول فانتهجوا شعرا جديدا. ومن أبرز الصعاليك من الشعراء.(الشنفرى، تأبط شراً، السليك بن السلكة، عروة بن الورد). فيما اختار صعاليك اليوم أن يسرقوا الأضواء، ويستحوذوا على إعجاب العالم. بمهاراتهم الثقافية المتفوقة والمتجاوزة للسائد والمألوف. ليقتسموا مع نظرائهم في كل أنحاء المعمورة هموم ومتاعب وتطلعات الشباب.

تجاوز للتقليدية بمهارة ووعي


يؤكد الدكتور أحمد عبدالله التيهاني أن الجيل الشاب من المبدعين في مواقع التواصل الاجتماعي، امتداد لمبدعي منتديات الإنترنت الذين شكّلوا – عبر أكثر من ثمانية أعوام – منذ عام 2000، ظاهرة إبداعية، لافتا إلى أن جامعات تبنت دراسات عن نتاجهم، ويرى أن الدافع الأساس في نسبتهم إلى الإنترنت، أو المنتديات بحثهم عن المتلقي، كونهم شعراء، وقاصين، وتشكيليين، وفوتغرافيين، ويجمع بعضهم بين أكثر من جنس أدبي، أو إبداع بصري. وأضاف، هم في الحالات كلها تواقون إلى رأي المتلقي، وتلك حال بدهية، فالبحث عن المتلقي جزء من العملية الإبداعية ذاتها، مشيرا إلى أنهم وجدوا في الإنترنت المتلقي المتفاعل ذي الرأي فيما يقرأ أو يرى من نتاجهم، ما أغناهم عن المتلقي التقليدي، في قاعات الأندية الأدبية، أو جمعيات الثقافة.

ويذهب التيهاني إلى أن هؤلاء المبدعين مستقلون بإبداعهم عن استجداء الدعم من مؤسسات ثقافية لم تسهم في صناعتهم من الأصل، ولم تمنحهم الانتشار الذي منحته للأجيال التي سبقتهم ما جعلهم بعيدين عن المؤسسات، لإدراكهم أن لوائحها وإمكاناتها دون القدرة على استيعابهم، فضلا عن تقبّل ما يقدمونه، وهو متجاوز للمرحلة، وكاسر للحواجز القالبية القواعدية الفاصلة بين الأجناس الأدبية، أو الفنون. لافتا إلى أنه لو تواصل هؤلاء المبدعون مع المؤسسات، ودخلوا مجالس إداراتها، فإنهم يمكن أن يكونوا داعمين للمؤسسات الثقافية، لا مدعومين منها، ويمكن أن يجعلوها ملائمة للمرحلة، وأن يسكتوا الأصوات القائلة إن المؤسسات أدت واجباتها في مرحلة ما، ولم تعد قادرة على الإضافة. داعيا المؤسسات الثقافية إلى احتوائهم لتكون مدار إبداعاتهم، ومحط أنظارهم، لتخرج من عباءتها التقليدية، إلى آفاق رحبة من الحرية اللائقة بالإبداع، ويرى أن يقين الصعاليك الجدد قائم على الحرية وعدم الحجر. لافتا إلى أن لوائح المؤسسات الثقافية عاجزة عن استيعابهم، ولن تضيف إليهم شيئا، في وقت ما زال في مجالس إدارات الأندية من يرفض إقامة أسبوع ثقافي شامل، بحجة أن وجود الفلكلور والموسيقى والفنون البصرية، مما لا يليق بناد أدبي. ما يجعل المبدعين الجدد زاهدين في المؤسسات الثقافية، المأسورة في حضن الأدلوجة، إذ إن في بعضها إداريين مؤدلجين لا يمكن أن يتصالحوا مع الفنون الجديدة على الإطلاق، فيما المؤسسات الناجية من الإداريين المؤدلجين، تتعامل مع الإبداع بحذر شديد خشية النقد الذي يتخذ من الدين عصا غليظة، وأهدافه – كما يعلم العارفون – بعيدة عن الدين. وأبدى التيهاني إعجابه بقدرات الصعاليك الجدد على النجاة من الأدلجة والخطاب المتطرف. وعدم تأثرهم بالصحوة وخطاباتهم. وعدهم أقرب شيئا إلى الأنسنة.

حققوا نجاحات بوسائل عصرهم

يرى مدير عام الأندية الأدبية محمد عابس أن الشباب ممن أطلقنا عليهم (الصعاليك الجدد) سمتهم الإبداع، وعنوانهم البحث عن الجديد، مؤكدا أن نسبة كبيرة من مجتمعنا من فئة الشباب، ولذلك لابد من الاهتمام بهم وتهيئة الفرص والنشاطات والأماكن لهم ليقدموا ما لديهم من إبداعات مختلفة في الشعر والنثر والفنون والتصاميم واستخدام وسائط التقنية الحديثة في المجالات البصرية. وتحفظ عابس على وضع الأندية الأدبية كلها في سلة الإهمال والقصور؛ إذ إن هناك عددا منها لديهم لجان لدعم المبدعين الشباب وبعضها أقام فعاليات فنية مختلفة لفئات المجتمع من غير الأدباء، ويؤمل تضافر جهود المؤسسات الأخرى الحكومية والأهلية لاستقطابهم وإشراكهم في الفعاليات المناسبة لإبداعاتهم، ويرى أن الشباب من الجنسين حققوا نجاحاتهم عبر وسائل ووسائط الإعلام الجديد (الاجتماعي) الـ«فيس بوك» والـ«يوتيوب» و «توتير» و «انستغرام» وغيرها في نشر منتجاتهم الإبداعية المختلفة وحققوا نجاحات جميلة ومتابعين كثيرين، ما أغناهم عن المؤسسة التقليدية.

مبدعون جدد كإعلامهم الجديد

وصفت الأكاديمية في جامعة الطائف الدكتور حنان عنقاوي هذا النوع من المبدعين الجدد بالقدرات الفذة والمؤهلة لقيادة جيلها والتأثير في أجيال لاحقة. ودعت مؤسسات وزارة الثقافة والإعلام إلى مواكبة الظاهرة وتأمين ما يلزم لاستقطابها وتوظيفها. وتساءلت هل أدركت وزارة الثقافة، بكل وسائل الإعلام من صحافة وقنوات تلفزيونية أن هناك مبدعين جددا مثلما هناك إعلام جديد؟ خصوصا أنه مع كل حدث يقع يكون الواتساب وتويتر والفيس بوك أكثر قوة. وأسرع وصولا من الصحافة والتلفزيون. وترى أن وسائل التواصل غدت أحد أهم مصادر المعلومة والمعرفة، إن لم تكن المصدر الأساس للمعلومة لدى الغالبية، وتطلعت إلى أن تضطلع المؤسسات بدورها وتتحرك لإيجاد إستراتيجيات علمية حتى لا يسحب البساط منها نهائيا. وعزت عنقاوي نمو ظاهرة الصعاليك الجدد إلى مساحة الحرية الكبيرة. وغياب قيود الرقابة. وتؤكد أن الصحف والقنوات التلفزيونية الوطنية، مؤسسة رسمية، وحضورها الرسمي يعطيها قوة تستطيع من خلالها أن تكون فاعلة في توجيه الأفكار،إلا أن جيلا جديدا ينمو لم يعد يرى في الإعلام التقليدي مرجعية له. وترى أن المثقف الجديد، نشأ في عصر المعلومات وعلوم الفضاء، وحظي بالابتعاث ويدرس في جامعات ذات تصنيف علمي مرتفع. ويجيد الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو اليابانية. ويبحث عما يقنع ويحترم عقله، ويرفض كل ما يمنع أو يحد من التفكير.