-A +A
علي محمد الرابغي
كان غازي كيال يرحمه الله ملء السمع والبصر.. كان حاضرا في كل المناسبات وفي كل المواقع.. تسبقه بسمته العريضة وشفافية النفس الطيبة التي لا تعرف الحقد ولا الغيرة.. وإنما تشع وتشيع الحب والمودة في أي مجال.. لا يعرف التعصب رغم أنه نجم فريق كبير له شعبية عريضة، لا أود أن أدخل في المسألة الحسابية، ولكن لا أحد يغالط في أن جمهور الاتحاد هو أكبر جمهور يشغل مقاعد الملاعب.. ولعل ملعب الجوهرة من خلال الإحصائيات الفورية يؤكد ما ذهبت إليه.

غازي كيال نجل الأسرة التي تلد النجوم:


كان عجبا ذلك المشهد التاريخي الذي حبا الله سبحانه وتعالى به أسرة الكيال.. تفتقت فيها مواهب الكرة والنجومية.. كان عبدالمجيد كيال (الصاروخ المودع) وغازي كيال وعبدالجليل كيال وطارق كيال.. كانوا يملأون سماء الكرة السعودية بالنجومية والتألق (وعفوا لمن لم أذكر)، وهذه ظاهرة كروية عجيبة امتازت بها أسرة الكيال، وبصمة واضحة على جبين كرة القدم.. يليها في ذلك أسرة البكر.. عبدالمجيد بكر وعبدالرزاق بكر وعبدالله بكر.. وأسرة الراجخان عبدالمجيد وعمر.. تلك كانت ملامح الكرة السعودية.. إذ كان للأسر العريقة فيها دور بارز.. ومن وسط هذه الاضمومة خرج غازي كيال.. وبرز كنجم من نجوم الكرة.. احتفى به تاريخ الرياضة في هذا البلد.. وكان -يرحمه الله- دائما لا يرضى بالواقع وإنما يتخطاه في ثقة بالغة ويقين وطموح ليس له حدود.. وبعد أن أدرك أن الملاعب ليست مكانه غادرها ولكنه لم يذهب بعيدا.. إذ عاد إليها وفي يده صافرة الحكم.. وكعادته كان الرجل القضية.. ولعله ولعلنا نقف أمام وقفات في تاريخه الرياضي من أبرزها أنه شرف بالوقوف أمام الملك فيصل -يرحمه الله.. كذلك كانت له مواقف مدهشة منها أنه جرؤ على طرد ريفالينو نجم الكرة البرازيلية ونجم الهلال الذي كان يتبختر في الملاعب.. وكانت خاتمة المطاف عند (أبو فيصل) أن أسهم في تحكيم دورة الخليج 1974 التي أقيمت في مدينة الرياض.

غازي والحلم الليلي:

عشت معه -يرحمه الله- ليلتين.. كانت الأولى ليلة مباراة الكأس المقامة في الرياض.. كنا نخبة هاشم عبده هاشم.. وعبدالله باجبير وفايز حسين وعمدة الصحيفة الشيخ مبارك وغازي كيال.. استضفتهم في بيت خالي ثابت الغانمي -يرحمه الله- وكانت تلك الليلة مشهودة، فيها كانت سيدة الغناء العربي تحيي سهرتها الشهرية.. وكانت الليلة شديدة البرودة في الرياض.. وكانت من عادة العمدة الشيخ مبارك وغازي كيال النوم المبكر.. ونام غازي في غرفة النوم الرئيسية وذهب الزميلان هاشم عبده هاشم وعبدالعزيز النهاري إلى الزميل علوي الصافي.. وبقيت والزميل باجبير.. ولكننا وفي وسط الصمت المطبق سمعنا صوت غازي كيال يتقمص شخصية الحكم وكأنه في الملعب، وأخذ يصفر ويصيح برأسه فاول تسلل، مما اضطرنا إلى قفل باب غرفة النوم خشية أن يخرج.. كان غازي -يرحمه الله- يعاني من هذه الظاهرة حتى أنه في ليلة المعسكر كسرت ساقه.

غازي والمواقف الصعبة:

كان غازي رجل المواقف.. أذكر ذات مرة بعد أن شاهدنا مباراة الوحدة والأهلي.. وكان حكم المباراة بدر قايا التركي.. ولم يعجب جمهور الوحدة وأخذ بعض من طغى عليهم الحماس بمتابعته بعد أن أنهى المباراة وكادوا يتعرضون له بالضرب.. ولكن شجاعة غازي كيال وصلابة موقفه حالت دون ذلك.وبعد أن ترك التحكيم أخذ يشارك في عملية النقد الرياضي واحتل مساحات في جرائدنا السعودية وعبر الإذاعة والتلفزيون.

رحم الله غازي الذي كان نظيفا في كل شيء.. أنيقا في كل شيء.. يعيش على الفطرة وكأني وقد عاش تحت وطأة الألم والمرض فترة طويلة.. قد أؤكد أنه رجل المواقف كما قلت سابقا.. يرحمه الله. تحية لهذه الأسرة التي أنجبت النجوم.. ونتمنى أن نشهد من جديد حركة الإنجاب الكروية من الأسر العريقة. وحسبي الله ونعم الوكيل.