-A +A
عبدالمحسن هلال
تحسنت أسعار النفط فوريا بنجاح اجتماع كبار منتجيه في العالم بفيينا أمس الأول لخفض الإنتاج، وربما لن ينتهي الأسبوع حتى تلامس سقف 60 دولارا، بالطبع إذا، وإذا فقط بمنطق المعادلات الرياضية، تم الالتزام بالاتفاق. لا شك هناك مشكلات عدة تعيق سرعة التنفيذ، بعض تقني واقتصادي وكثير منها سياسي، نجاح اجتماع فيينا غلب الجانب الاقتصادي على السياسي تحت شعار «لغة المصالح تتصالح»، غير أن لا أحد يضمن استمرار الحكمة في عالم السياسة، فالسياسة، كما تعلمون، لا تدخل مجالا إلا أفسدته.

بعيدا عن السياسة، لعل الاتفاق يتيح لنا إعادة النظر في مآلات الأزمة المالية التي مرت بنا، ذلك الخوف المبالغ فيه من نقص السيولة، درجة التوقف عن دفع مستحقات شركات مقاولة، ووقف علاوات وخفض أجور وفرض رسوم، مما أثر على مجمل حركة الاقتصاد. لعل الخوف قد زال الآن ليتيح لنا الاستئناس بفكرة إعادة حصحصة استثماراتنا لتطبيق رؤيتنا المتفقون عليها. أول أهداف الرؤية تقليل الاعتماد على النفط، وهو هدف عظيم يحمل تحت إبطيه عبء عشر خطط سمان سابقة لم تفلح في تحقيقه، واعتمد آليات تحقيق تنفيذية فعالة مثل صندوق الاستثمارات العامة وعرض نسبة من أرامكو للبيع لتوفير السيولة الكافية لتحقيق الهدف، سيولة، حسب وكالة «بلومبيرغ» تكفي لشراء قوقل ومايكروسوفت ومثيلاتهما في أسوق التقنية وسيتبقى لنا بعدها «شوية فكة». إنشاء الصندوق وبيع نسبة من أرامكو يعتبرا اقتصاديا، بمثابة الشرط الضروري لتفعيل الرؤية، أما شرطها الكافي فهو حسن استغلالهما.


بدأ الصندوق نشاطه وإن بخجل، أو ربما حذر، في أكوا بارك وسوفت بنك وأوبر، وننتظر نتائج جيدة برغم الأخبار أن سوفت بنك يستثمر أموالا سعودية بأمريكا (عكاظ،9 ديسمبر) مع امتلاك الصندوق نسبة الأغلبية بالبنك، فإذا كانت هذه رؤية سوفت بنك، فهي لا شك تختلف عن رؤيتنا في ظل ما يتهدد أصولنا المالية في أمريكا بقانون جاستا. وضع 45 مليار دولار إضافية داخل السوق الأمريكي يزيد المخاوف، علاوة على أنه يخلق وظائف في السوق العالمي والسوق السعودي أحوج لها. لم لا نلزم شركاءنا الماليين بإنشاء صناعات تقنية داخل المملكة وإن بعمالتها وإدارتها، ثم يتم الإحلال والتوطين بنسب سنوية يتفق عليها، التأثير الإيجابي لزيادة الإنتاج المحلي على سعر صرف عملتنا يغني عن ربطها بالدولار، وفيه مساهمة أكبر لتحقيق هدفنا الأكبر بتقليل الاعتماد على النفط.

أما أرامكو، فآمل أن يخف الضغط عليها، يكفيها الاستكشاف والإنتاج والتكرير والبيع، وهي مهمة أربع شركات كبار، التفكير في تضخيمها وتفريعها لشركات مقاولات وإنشاء ومشاريع بنى تحتية، عدا أنه تضييق لواسع وقول بعجز باقي مكونات المجتمع، هو تعجيز لأرامكو ذاتها المؤمنة بالتخصص وتقسيم العمل. الأجدى، بظني المتواضع، مراقبة تزايد استثماراتها في البتروكيماويات المعتمدة على النفط، مما سيبطئ تخلصنا من الاعتماد عليه.