-A +A
إدريس الدريس
تهمة شدة التدين مع شدة الفساد أطلقها بعد أن لمسها معايشة الياباني تواهارا وقد دونها في كتابه الصادر تحت عنوان (العرب من وجهة نظر يابانية) والمهم في هذا الكلام أنه يأتي من رجل ينظر إلينا من خارج الصندوق والأهم أنه ينطلق بهذه القناعة وغيرها إثر إقامته بيننا لعدة سنوات وقد خبر عن معايشة وتجربة بعض طبائع العرب والتي ضمنها كتابه الذي أصدره بعد أن عاد إلى اليابان.

بالنسبة لي فإنني أتفق كثيراً مع رؤية واستنتاجات تواهارا وليس ذلك من باب «جلد الذات» لكن ربما أن ذلك نابع من باب مراجعة النفس ومعاينة الواقع ومقارنته بما أورده تواهارا فلو خلا أحدنا إلى نفسه فسيجد أن أكثر المآخذ التي رصدها عن العرب قائمة وموجودة ولا يجحدها إلا مكابر ومعاند ولا يمكن النظر إليها من باب الشعوبية أو العنصرية.


فالعرب بطبعهم متدينون وقد زادت خلال العقود الثلاثة الماضية جرعة الدين وذلك خلال تمدد ظاهرة ما عرف بالصحوة والتي وضح أثرها الظاهري والشكلي على كثير من الناس رجالاً ونساءً لكن اعتياد المساجد وموالاة الاستماع لبرامج الفتاوى والمواعظ الإذاعية أو المنبرية لا تكاد بكل أسف تلمس له أثراً في السلوكيات المدنية الحضارية والتي تنسجم مع معطيات العصر ويظهر ذلك واضحاً مثلاً عند تراكم السيارات واصطفافها العشوائي عند الجوامع دون مراعاة لما يترتب على ذلك الوقوف الجائر من إزعاج لجيران المسجد والحال مثله مع استخدامنا المتهور للسيارات داخل المدن وأسلوبنا المخالف في قيادة السيارة بما لا يراعي قانوناً مرورياً ولا ذمة أيضا ينعكس الفساد عند ارتيادنا للحدائق العامة أو المنتزهات الخلوية وما يحدث فيها من انتهاك للبيئة وترك للمخلفات في أنانية صرفة لا تبالي بحق المجموع ويمكن على هذا النحو القياس على أوجه عديدة للفساد المستشري في الدوائر الحكومية وعدم المبالاة بالممتلكات العامة وعدم الحرص على سلامة الأجهزة والمقتنيات العامة تبعاً للنظرة السلبية السائدة تجاه «حلال الحكومة» وكان من المتداول عند بعض الناس (حلال مهوب حلالك جره على الشجر) وهذه أيضا نظرة فردية قاصرة لا تدرك أن الملكية العامة هي حق للجميع وقد أشار إلى ذلك السيد تواهارا ضمن ملاحظاته أو مؤاخذاته العديدة والتي من ضمنها أن العرب يكررون كثيراً كلمة «الديموقراطية» لكنهم لا يطبقونها، وقد صدق في ما قال فما زلنا نتذكر أن أكثر الحكومات العربية دكتاتورية وتسلطاً هي التي تمعن في استخدام هذه الكلمة في اسم الدولة أو في خطب أعضاء الحزب الحاكم وهل كان لذلك أن يكون ممكناً في وجود معمر القذافي وعبدالفتاح إسماعيل وعلي عبدالله صالح وعلي سالم البيض وحافظ وبشار وجورج حبش وأبو نضال والمالكي؟

أيضاً يضيف تواهارا ملاحظة أخرى حين يقول إنهم في اليابان وغيرها يضيفون حقائق ونظريات ومخترعات جديدة بينما يكتفي العربي باستعادة حقائق اكتشفها في الماضي البعيد ولا أظن أن أحداً يمكن أن يجادل في هذه الحقيقة أيضاً.

ذلك أن الياباني مثله مثل الأوروبي والصيني والأمريكي وغيرهم من الشعوب المتقدمة يتنافس مع البقية في سباق المكتشفات والاختراعات والصناعات الجديدة والدقيقة وما تعيشه هذه المنتجات من تحولات وتطورات متتابعة في ظل هذا التنافس العالمي المحموم على كسب أسواق الاستهلاك وتنمية موارد الاقتصاد وتنويعها.

وفي المقابل فإن العربي المنهزم أمام هذا المد العلمي والتقني العالمي وعجزه عن المواكبة والملاحقة والمحاذاة فإنه عوضاً عن ذلك يعمد إلى تنقيب الكتب ومراجعة التاريخ القديم ثم الاستشهاد ببعض الرواد الذين أسسوا وبلطوا الأرضية لما يحدث الآن من تقدم علمي وتقني وحتى مع كون ذلك صحيحاً فإن الركون إليه والنوم على وسادة التاريخ الذي مضى إنما هو تعبير وتأكيد على العجز والشعور بالدونية بالقدر الذي يدفع العربي إلى البحث عن مفاخره السابقة وكان أحرى به أن يجعلها جسراً يركبه إلى الحاضر والمستقبل وألا يكتفي بتوسد التاريخ في سبات طويل.

أخيراً يعترف تواهارا بشيء من العنصرية التي مورست ضد العرب لكنه يرى مع ذلك أن العرب استمزجوا ذلك وأصبحوا يمارسون هذه العنصرية ضد بعضهم الآخر وهذا واضح فعلاً في الخلافات والاختلافات التي تحدث بين دولة عربية وأخرى وما يحدث من صراعات سواء على الصعد الرسمية أو الشعبية.

ختاماً لو كان لي من الأمر شيء لجعلت هذا الكتاب (العرب من وجهة نظر يابانية) هو البند الأول والوحيد على أجندة مؤتمر القمة العربي القادم ولجعلته منهجاً يدرّس للناشئة في الصفوف الدراسية الأولى ولجعلت منه تلخيصاً لإحدى خطب الجمع التي يجب تعميمها على جميع الجوامع العربية.

شكراً تواهارا أنك عرفتنا جيداً أكثر من معرفتنا لأنفسنا.