-A +A
عبدالمحسن هلال
كعادة المؤتمرات، ما تغنمه في ردهاتها يفوق ما تسمعه على منصاتها، ما يقال على المنصة ويعقبه عليها من حوار ينصب على ما كتب في الأوراق، أما اللقاءات الجانبية فتضيف إليه وتبني عليه وتتعمق فيه أكثر. مؤتمر تونس الذي كتبت عنه قبل أمس، أتاح لي لقاء جمع من العلماء والمفكرين والمثقفين جاءوا من أنحاء شتى لمناصرة قضية الأحواز وإحيائها في ضمير كل عربي ومسلم وإنسان يرفض الظلم في أبشع صوره المتمثل في الاحتلال.

كم بدا لي تسلسل الأحداث سيرياليا، فبدل أن يطالب العرب بأرض كانوا أول من استوطنوها منذ آلاف السنين وظلوا يحكمونها حتى عهد قريب، وجدوا أن إيران تتمدد شمالا لتسيطر على ثلاث عواصم عربية، وتريد التوغل جنوبا لتسيطر على عاصمة عربية رابعة، استيقظ العرب ليجدوا أنفسهم محاصرين من الاحتلال الصهيوني في قلبه بفلسطين والاحتلال الصفوي يريد ابتلاع أطرافه وهلاله الخصيب. تمكن قلة من الصهاينة بناء كيان لهم وسط بحر من العرب، تمكن قلة من الفرس من بناء وجود لهم وسط شعوب تفوقهم عددا، بلوشستان جنوبا وعربستان غربا والكرد والأذر شمالا، والمساعد في الحالين واحد، بريطانيا التي قامت بتسليم آخر أمير عربي على الأحواز للصفويين العام 1925م، وسلمت فلسطين للصهاينة العام 1947م، وسبب المساعدة في الحالين واحد، السيطرة على ثروات ومقدرات المنطقة، وكما ورثت بريطانيا المنطقة من رجل أوروبا المريض، ورثتها لأمريكا عندما مرضت هي.


من توصيات المؤتمر أهمية تدويل القضية وإثارتها عالميا وإسلاميا وعربيا، واتخاذ خطوات لتشكيل حكومة منفى للحصول على حق تقرير المصير، التذكير المستمر بها سواء في المناهج الدراسية أو الوسائل الإعلامية، وتسمية شوارع في المدن العربية بأسماء الإمارات العربية التي كانت تحكم منطقة الأحواز، غير أن أهم ما في الأمر توفر الحضن العربي الداعم خليجيا وعربيا وإسلاميا وعالميا للحق العربي هناك، دعم أبنائها الأكثر من 12 مليون عربي، عتادا وعدة ومالا لتمكينهم من مقاومة الاحتلال الذي يعمل على طمس هوية أرضهم العربية، رفع القضية في مستوى الوعي العربي كقضية فلسطين تماما.

فيما يخص صراعنا مع إيران، قلت قبل شهور أنه صراع ضد صفوييها وحكامها وليس ضد الشعب الإيراني، إيران تريد جرنا للبعد الطائفي وهو صراع حقوقي بالأساس، تصور نفسها ـ لكسب التأييد العالمي ـ أقلية شيعية وسط بحر سني يهددها وهي المسالمة، تماما كما قدمت (إسرائيل) نفسها للعالم، واحة الديموقراطية وسط بحر من الكارهين لها، إيران تريد استغلال الشيعة العرب وتحويلهم لطابور خامس، وكما لم تنجح قديما ضد صدام حسين، لن تنجح مستقبلا إذا تفهمنا نحن قواعد اللعبة، هو صراع ضد قوة محتلة وتريد أن تحتل المزيد، صراع سياسي اقتصادي حقوقي إنساني، هذه هي اللغة التي يفهمها عالم اليوم.