-A +A
جميل الذيابي
والقمة الخليجية تلتئم غدا في البحرين، نجد أنه كلما رمق المواطن الخليجي، في أي من دول مجلس التعاون الست، خريطة منطقته، اكتشف أن حرائق كبيرة مشتعلة تطوق أطراف بلدانه، صراعات ونزاعات، حقن طائفي ومذهبي، إرهاب يتفشى، أطماع تتزايد، فقر وبطالة وكساد اقتصادي، عاصفة سوداء تجتاح منطقة ملتهبة لا تبرح أراضيها الأزمات والمشكلات والمؤامرات.

بعض تلك الحرائق لم يعد بمستطاع دول الخليج، مجتمعة أو منفردة، أن تطفئها، لكونها غدت أزمات عالمية، حتى أصبحت الخشية من اندلاع مواجهة بين القوى الكبرى بسبب أزمات هذه المنطقة الساخنة من العالم.


لو نظر الخليجي شمالاً فسيرى الاضطراب في العراق وسورية ولبنان، حيث تصطرع حيتان ضخمة، وتزحف في البر وتسبح في البحر وتحلق في الجو بكل الأسلحة النوعية المتقدمة. ولو تطلَّع جنوباً فسيجد الأزمة اليمنية المضطرمة بسبب ميليشيا طائفية رهنت نفسها لأجندات إيرانية تخريبية، وإذا نظر شرقاً وغربا فستصدمه المخاطر التي تتسبب بها القرصنة للممر المائي الحيوي على البحر الأحمر والخليج العربي، التي تتفاقم وتتحول تهديداً خطيراً.

وتلك كلها نيران مشتعلة في المحيط الخليجي. وغيرها ثمة حرائق «مستدامة» تعني دول الخليج في محيطها العربي الكبير، كالقضية الفلسطينية، ومساعي الهيمنة الإيرانية على عدد من الدول العربية، بموازاة الإرهاب المتفشي في المنطقة. وتضاف إلى ذلك الضغوط التي تمارسها واشنطن باتهاماتها الجزافية لبعض دول الخليج بعدم بذل ما فيه الكفاية لدحر الإرهاب. والأكبر خطراً، وأعم شمولاً ما ينجم عن استمرار الكساد الاقتصادي العالمي الذي أضحت الدول الغربية تتفنن في إطلاق الأسماء والصفات التي تحجب مدى استفحاله، وحرصها على تأمين الموارد بشكل أشبه بالتهافت الاستعماري القديم.

ولو ذهبنا في سياق البحث عن حلول عملية نحو الشرق، فهل سيكفينا ذلك شر تلك الأزمات ذات الطبيعة المعقدة والمركبة؟

لا شك أن هذا يتطلب رفض استمرار إيران فرض سياسة «الأمر الواقع» باعتبارها دولة نووية، لتحقيق مكاسب إستراتيجية على حساب دول المنطقة، وذلك بتعزيز الثقة والأمن والمواطنة الموحدة.

وأية قراءة رصينة للواقع الجيوسياسي لابد أن تشير إلى أن التكتل الخليجي هو أقوى الأسلحة بأيدي أبنائها وساستها، خصوصاً أن البلدان الخليجية (٥٠ مليون نسمة مواطنين ومقيمين)، دول ثرية واقتصادياتها محفزة ونامية، لذلك ظلت المنظومة الخليجية متماسكة منذ أن تبلور مجلس التعاون في ثمانينات القرن الـ20، وبقيت دوله الست صلبة القرار لم تؤثر عليها الاختلافات والتباينات في وجهات النظر فيما بينها، ولذلك لا تزال أطراف عدة - تسعى إلى إضعاف همتها وطموحها وتطلعات شعوبها نحو تحقيق حلم الاتحاد.

الأكيد أنه إذا كان بقاء دول الخليج صلبة مطلب كل عاقل على رغم الصعوبات والمعوقات التي تواجه اتحادها، فإن ذلك يحتم المطالبة بتعميق أساس استقرارها من خلال تشجيع قدر أكبر من توسيع هامش مشاركة المواطن الخليجي في الشؤون التي تعني بلاده، وتعزيز خيار تحصين الداخل أولاً عبر الدفع بالكفاءات الوطنية والابتعاد عن المحسوبيات وتفكيك الدوائر الضيقة، ليكون المواطن شريكاً أصيلاً وجزءاً من آلية صنع القرار ومنحه الثقة الذي هو أهل لها والرفع من مكانته وقيمته ومستقبله لتعزيز الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية، للدفاع عن بلدانهم حين تدلهم الخطوب وتتزايد الأزمات وتتكاثر الهجمات الخارجية.

jameelth@gmail.com