-A +A
عزيزة المانع
تبنت إحدى جمعيات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، العاملة في مجال دعم الاستقرار الأسري في المنطقة الشرقية، حملة إلكترونية تهدف إلى التوعية في مجال العلاقات الأسرية، فنشرت ضمن حملتها عبارة اعتذارية موجهة من زوجة لزوجها، كانت الزوجة في العبارة تتحدث عن ذنوبها، وتبدي الندم على ما فعلت، وتستجدي الزوج أن يتجاوز عن عظيم أخطائها، وأن يمن عليها بجميل عفوه، لأن له قلبا واسعا يغفر ويصفح!!

ما هي تلك الذنوب التي فعلتها؟! إنها: التقصير في تنفيذ (أوامر) الزوج العزيز، والتجاهل (لنواهيه)، و(التكاسل) في تجهيز حاجاته، و(النسيان) لما يطلب منها قضاءه. وهي كما تبدو لأصحاب الحملة، من أشد الذنوب التي يجب أن تحذر الزوجات من الوقوع فيها، حتى لا يعاقبن بالطلاق.


كانت الجمعية فخورة بعبارتها تلك، فهي بحسن نية تسعى إلى نشر الوئام في حياة الأسر، وتظن أن نشر مثل تلك العبارات يحقق ذلك. لم تدر أنها (جابت العيد)! تقاذفتها الانتقادات والسخرية والتهكم من كل جانب، فشعرت بصدمة عنيفة وأصابها الإحراج وأحست أنها وقعت في ورطة حقيقية، فما كان منها إلا أن سحبت تغريدتها وقدمت اعتذارها، وهو تصرف إيجابي يحمد لها.

في الواقع إن ورطة الجمعية لم تكن في أن تغريدتها السيئة عرضتها للسخرية والتهكم فحسب، وإنما لأن هذه التغريدات الساذجة وأمثالها، تكشف عن ضعف المستوى المعرفي لدى بعض من يشرفون على برامج التوعية في بعض الجمعيات.

إن مثل هذه المهمات التوجيهية والتوعوية المهمة والحساسة، تحتاج إلى كفاءة علمية وتأهيل معرفي في علم النفس والاجتماع، والمهارة في أساليب التواصل الجيد وطرق الإقناع الذكية، لذلك لا يجب أن تسلم لأي عابر سبيل، فتسليمها لغير المؤهلين يجعلها غير مقنعة، ومن ثم لا يكون لها مردود إيحابي، هذا إن لم تتحول بسبب الجهل، إلى (كارثة) توعوية، كما حدث في التغريدة السابقة، حيث انطبق عليها المثل العامي (جا يكحلها عماها).

جاءت التغريدة بلغة خطاب قديم عفا عليه الدهر، ولم تعد صالحة لمخاطبة نساء هذا الزمان، اللاتي أصبحن يحملن مفهوما مختلفا للزواج، لا يشابه مفهوم الأمهات والجدات، بعد أن صرن يشاركن الرجال في مستوى الدرجات العلمية، والقدرة على كسب المال والإنفاق على الأسرة.

النساء في هذا العصر ينظرن إلى الزواج على أنه شركة، يتساوى فيها الشريكان في الحقوق والواجبات، ويؤمن أن السعادة الزوجية لا تقوم على طاعة أوامر تصدر من الطرف الأعلى إلى الأدنى، وإنما هي تحتاج إلى تسوية وتفاوض وتنازلات من كلا الطرفين.

ورطة الجمعية، أنها مثلها مثل كثير غيرها، طورت أدواتها، ولم تطور الفكر الذي يدير تلك الأدوات، فجاءت نتائج حملتها الإلكترونية لترتد سلبا عليها.