-A +A
صدقة يحيى فاضل
هناك ما يمكن أن يسمى بـ «السياسة السوداء» التي يتبعها الغرب المتنفذ تجاه العرب والمسلمين، بصفة عامة، والتي يمكن اعتبارها بمثابة خطة مناوئة للعروبة والإسلام. وسبق أن تحدثنا عنها في مقالات سابقة. وهناك زعماء غربيون اشتهروا بالتمسك بهذه السياسات والتفاني في إنفاذها. ويحمل كل من هؤلاء الزعماء - كما يبدو - حقداً على العرب والمسلمين، وكراهية لدينهم، ورغبة جامحة في الإضرار بهم ما أمكن. رغم أنهم ينكرون وجود هذه المشاعر لديهم. ويدعون عدم حمل أي نوايا سيئة تجاه أي فئة بعينها، وخاصة العرب... في الوقت الذي يعملون فيه العكس، ويتسببون بالإضرار بالملايين ظلما، بسياساتهم هذه.

***


ويعتبر «توني بلير» رئيس وزراء بريطانيا السابق، في الفترة 1997 - 2007، أحد أبرز الأمثلة المعاصرة الواضحة على هذا النوع من الزعماء الغربيين. وقد أمسى هذا السياسي سيئ السمعة، في بلاده وغيرها، نظراً لانكشاف كذبه وألاعيبه. وما زالت هناك ضغوط شعبية بريطانية وعالمية تدعو لمحاكمته، ومعاقبته على ما قام به خلال فترة رئاسته للوزارة، خاصة جريمة غزو واحتلال وتدمير العراق، بالمشاركة مع بوش الابن، رئيس أمريكا السابق، وغيره.

ولكن النفوذ الصهيوني الإمبريالي تدخل بقوة، لإنقاذه، والاكتفاء بترك رئاسة الوزراء (يوم 27 /‏ 6 /‏ 2007)... ثم تنصيبه، في نفس اليوم رئيساً لما سمي بـ «لجنة السلام الرباعية» (أمريكا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، روسيا) التي أنشئت لحل القضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين...؟! فقام هذا السياسي ببذل أقصى ما يستطيع من جهد لتمكين إسرائيل، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، ومفاقمة معاناة الشعب الفلسطيني لعقود قادمة.

***

انضم بلير لحزب العمال، وأصبح سنة 1994 رئيسا لحزب العمال، وقاده للانتصار في الانتخابات البريطانية العامة لثلاث مرات متتالية. أخذ عليه اتباعه الأعمى للسياسة الأمريكية، رغم ما نجم عن تلك التبعية من خسائر تكبدتها بريطانيا. ويمكن أن نوجز أبرز أعماله المناوئة للعرب في النقاط الثلاث التالية:

1 - ساهم بلير بقوة في جريمة غزو واحتلال وتدمير العراق عام 2003، التي نجم عنها مقتل وجرح وتشريد ملايين العراقيين، وتدمير بلادهم. وأقحم بلاده في حرب لا هدف لها سوى إرضاء قيادة أمريكية رعناء، وخدمة إسرائيل وتمكينها. وتكبدت بريطانيا، من دخولها هذه الحرب، خسائر فادحة، من جراء تآمره هذا.

أقيمت لجنة بريطانية للتحقيق في هذا الحدث (لجنة «جون شيلكوت»)... موجهة أصابع اتهامها إلى بلير.. الذي حاول كثيراً أن «يبرر» فعلته هذه... حتى اضطر (بتاريخ 26/‏10/‏ 2015) لتقديم ما يشبه الاعتذار عن قراره ذاك، معللاً إياه بعدم توفر معلومات كافية وقت اتخاذ قراره...؟! ويوم 6 يوليو الماضي، أصدرت لجنة شيلكوت تقريرها الذى حملت فيه «بلير» مسؤولية «المشاركة في الحرب قبل استنفاد كل الحلول السلمية... وكون خطط ما بعد الحرب غير مناسبة». وقد فتحت نتيجة التحقيق هذه باب محاكمة بلير، من قبل عائلات ضحايا الحرب وغيرهم، على مصراعيه. وذلك أرغمه على تكرار الاعتذار عن ما وصفه بـ «الأخطاء المتصلة بغزو العراق»...؟!

2 - منذ توليه رئاسة اللجنة الرباعية، بذل بلير، وبشهادة بعض مرافقيه، قصارى جهده لتسهيل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية من فلسطين، عبر التستر على سعي إسرائيل المسعور لإقامة مستوطنات صهيونية في طول الضفة وعرضها. كما ضغط على الأوروبيين للتغاضي عن ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية من عمليات تهويد واستيطان، ورفع الحظر عن شراء منتجات المستوطنات الإسرائيلية.

وحاول إلغاء المقاطعة الأكاديمية من قبل بعض الجامعات البريطانية لإسرائيل. وفي ذات الوقت، كان يتعامل مع السلطة الفلسطينية بتعال، ويضغط دائماً عليها للتجاوب مع ما تطلبه إسرائيل..؟!

3 - في محاضرة له، طالب الاتحاد الأوروبي بالاهتمام أكثر بالمنطقة العربية بسبب التداخل الجغرافي بينها وبين أوروبا، حاثاً الأوروبيين للتدخل بقوة في هذه المنطقة، لأسباب أربعة رئيسية حددها، هي: النفط، إسرائيل، الإرهاب، الإسلام. دعا أوروبا لضمان انسياب نفط المنطقة إليها بأقل تكلفة ممكنة، ودعم إسرائيل بقوة أكثر، ومحاربة الإرهاب، الذي تقف وراءه الجماعات الإسلامية المتطرفة. ولم يكتف بلير بانتقاد التطرف الإسلامي، بل إنه يرى أن الإسلام بصفة عامة به «الكثير من العنف والتحجر... ولا بد من تعديله عبر التعليم...»..؟! هكذا.

***

كثيرون في بريطانيا وغيرها يعدونه «مجرم حرب» بسبب مشاركته في الحرب على العراق، وكذبه. استمر في رئاسة اللجنة الرباعية حتى 2015. عين كـ «وسيط سلام»... ولكنه كان أثناء هذه الفترة يعمل وكأنه مندوب لإسرائيل. ونادى نواب بريطانيون بتصويت بمجلس العموم على قرار «يعزل رئيس الوزراء السابق بلير سياسيا، ويحرمه من تولي أي منصب بعد الآن، لكذبه على ذلك البرلمان بشأن الحرب على العراق». وأيد رئيس حزب العمال «جيرمي كوربين» وعدد كبير من النواب هذا الإجراء.

حصل هذا في موطن بلير، وفى الغرب الشعبي بصفة عامة. أما في العالم العربي، أبرز ضحايا سياسات بلير ومن معه، فلا رد فعل يذكر، ولا حتى استنكار، أو شجب. بل إن كتابا عربا متصهينين أخذوا يكتبون مستخفين بنتيجة تحقيق لجنة شيلكوت، ومدافعين عن بلير...؟!

لو كان للعرب ردود فعل منطقية وشجاعة، لاتخذوا موقفا عقابيا ضد بلير هذا، ومن شابهه... حده الأدنى هو المنع من دخول أي دولة عربية. ولكن...؟!