-A +A
عبدالله عمر خياط
.. مما لا خلاف عليه أن قصة النبي يعقوب وابنه يوسف عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام من أفضل وأشرف القصص التي تجسد شغف الأب بابنه، كما أن حب الابن لأبيه لا يعدله شيء آخر ولصالح الابن نفسه.

ففي سورة يوسف يقول رب العزة والجلال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ} وقد روت القصة جناية الإخوان نتيجة محبة الوالد لأخيهم يوسف، وكيف انتهى العمل السيئ من إخوان يوسف إلى اعتلائه عرش مصر ولقائه بأبيه، الذي قال لإخوته: { لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الله لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْه أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}.. وبالفعل ما إن أقبلت العير من سكن أبيه حتى قال: {إِنِّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَن تُفَنِّدُونِ}.


وتمضي الأمور ويجيء البشير وألقى القميص على وجهه فارتد بصيراً قال: «ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون».

وفي التاريخ الإسلامي أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما عرف بشوق أمية الكناني لابنه «كلاب» الذي ذهب للجهاد، أعاده عمر رضي الله عنه ثم بعث لأمية فدخل عليه وهو يتهادى وقد ضعف بصره وانحنى. فقال له: كيف أنت يا أبا كلاب؟ ثم أمر عمر «كلاب» أن يحلب لأبيه ناقة كما كان يفعل وقُدمت للأب، فلما أدناه من فيه قال: «والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي كلاب. فبكى عمر رضي الله عنه وقال: هذا كلاب عندك وقد جئناك به».

سردت هذه المرويات بعد أن قرأت فيما كتبه الشيخ علي الطنطاوي: أن أحد الشباب قال: حدث خلاف بيني وبين والدي حتى وصل إلى اعتلاء الأصوات، وكان بين يدي بعض الأوراق الدراسية رميتها على المكتب وذهبت لسريري والهموم تغشى على قلبي وعقلي.. وضعت رأسي على الوسادة كعادتي كلما أثقلتني الهموم حيث أجد أن النوم خير مفر منها.. خرجت في اليوم التالي من الجامعة فأخرجت جوالي وأنا على بوابة الجامعة، فكتبت رسالة أداعب بها قلب والدي الحنون فكان مما كتبت: «سمعت أن باطن قدم الإنسان ألين وأنعم من ظاهرها فهل يأذن لي قدمكم بأن أتأكد من صحة هذه المقولة بشفتي؟ وصلت للبيت وفتحت الباب وجدت أبي ينتظرني في الصالة ودموعه على خده قال: لا لن أسمح لك بتقبيل قدمي، وأما المقولة فصحيحة، وقد تأكدت من ذلك عندما كنت أقبل قدميك ظاهراً وباطناً يوم أن كنت صغيرا. ففاضت عيناي بالدموع»..

إن آباءكم وأمهاتكم اللواتي جاء في حقهن: {الجنة تحت أقدام الأمهات} سيرحلون يوما بأمر ربنا.. فَتقربوا لهُم قبل أن تفقدوهم وإن كانوا قد رحلوا فترحموا عليهم وادعوا لهم.

السطر الأخير:

قال الله تعالى بسورة الأحقاف: {وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا}