-A +A
عبده خال
عرفت الرسول صلى الله عليه وسلم منذ الطفولة الأولى..

عرفته قبل أن أعرف أي شيء له علاقة بالدين، عرفته شارة للفرح.


عشت في قرية بدائية لا تنتظر شيئا سوى المطر وحصاد ما بذر مزارعوها، وبين الانتظار والانتظار كانت ثلاثة توقيتات تحيي ركود الأيام، بفعل جمعي يشترك الجميع في إحيائه، فالطفل لا يتنبه لشيء كما يتنبه للأفراح.

وكما أن للأماكن مواقيت، كانت للأيام توقيتاتها المفرحة، ثلاثة أيام كنا ننتظرها حتى إذا أهلت لبس المكان والناس فرحتهم الغامرة ونهضوا من رتابة الوقت لكي تنتشي أرواحهم..

ثلاثة أيام تبدأ بعيد الفطر يتوسطها عيد النحر وتنتهي بيوم البهجة.

وكل يوم يشير لذاته وخصوصيته.

ويوم البهجة هذا هو يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، فالعيدان يكونان معلنين عن انتهاء عبادة، بينما يوم المولد يعلن عن الفرحة باسمها وصفتها.. في ذلك اليوم ينقلب حال القرية، ويتخفف كل بيت من كدره إذ لا يليق بالبهجة أن تأتي على بيت تقوضت دعائم سعادته، فتخرج الأسر والأفراد للفرح بذكرى خروج النور على البشرية، هو يوم تستباح فيه الفرحة إلى آخر وريد ينبض فيها.

في هذا اليوم يتعرف الأطفال على الرسول صلى الله عليه وسلم وأن كل هذه الأفراح من أجل مقدمه، أذكر أني كنت أطوف ببيوت القرية بحثا عنه في أي بيت نزل، وربما شاركني بقية الأطفال ذاك الطواف... وفي كل سنة ننتظر مقدمه، ولم يتركنا الكبار في دهشتنا بأننا لم نره، فيبدأ الحديث عن سيرته منذ أن رأت أمه بياض فارس وقصور الشام إلى وصول الهدايا لأيدينا، فقد كان الكبار يمررون كثيرا مما نحصل عليه من لعب -في ذلك اليوم- وكأنه أرسلها لنا.

وفي ذلك اليوم تنار مصابيح الحكايات بذكر كل ما حدث للرسول الكريم.

مضى زمن طويل على تلك الذكريات، وتيبست بقية الأيام من تلك البهجة، إذ وجدنا فتوى بتحريم المولد فانفض الناس عن فرحتهم وبقيت غصة في القلب وذكرى سائلة عن زمن البهجة.

ومناسبة استدعاء جزء من تلك السيرة ما حدثنا به الشيخ عبدالله المطلق بأن الاحتفال بالمولد قد يعد من أفضل الأعمال... يا الله الآن يأتي صوت ليعيد لنا يوم البهجة.. سنوات طويلة عبرتنا وقد جاء الوقت ليتم حلحلة كثير من القضايا التي خنقت الناس وانتزعت منهم الحياة الطبيعية السوية، فلك الحمد يا الله.