-A +A
فؤاد مصطفى عزب
عندما فتحت عيني هذا الصباح.. كان ضوء الشمس يخترق نافذة غرفتي ويغطي وجهي وجبيني.. شعرت أن الشمس بدأت تنتشر وكأنها تدفقت مرة واحدة.. شعرت أنها أخذت تحاصرني.. قلت في نفسي يا له من نهار.. على نهج (فرانسيس مايز)... عندما خط رائعته (تحت شمس توسكان) نور الشمس.. موسيقى الصباح.. فنجان القهوة.. أخذت أجهز قهوتي وأنا أستمع للصبوحة من خلال الـ(آي باد) (ساعات.. ساعات.. ساعات أحب عمري وأعشق الحياة.. وساعات أحس أد أيه وحيدة.. وأد أيه الكلمة في لساني ماهيش جديدة) جرعة موسيقية كافية لتبعث في الحياة.. قررت أن أكسر وحدة الصباح بالاتصال بأصدقاء لي في شمال كانساس.. أعرف الاثنين أجابتني الزوجة مرحبة.. الزوج طيار وسيم مثل (منيتور غاسمان) الذي مثل في الفيلم الإيطالي (عطر امرأة) من أجمل الرجال في العالم وأكثرهم أناقة وأكثرهم في كل شيء ميسور وبسيط كان يقول لي أعطني شجرة تفاح في جنينة ريفية أجلس تحتها وكوب قهوة وكتابا.. عبقري إذا كنت تعرف شيئا عن شعلة العبقرية فلا بد أن تُعجب به.. تناقضاته في الحياة أن غريزته أقوى من عقله.. كانت كارثته الحقيقية حبه للنساء كان يقول لي عندما أعاتبه أحب النساء حتى قبل أن أتعلم المشي. أما هي (الزوجة) فكانت (ممرضة) بدينة قليلاً وقصيرة وجميلة جمال نساء الوسط الغربي الأمريكي كنت أحب زيارتهما.. كان يراودني الانطباع عندما أزورهما أنني في قلب فيلم (لحن السعادة) لروبرت ليرال دايز.. عندما وصلت لم أجده.. سألتها عنه ارتسمت على جبينها التكشيرة ذاتها للشخص المرعب في لوحة الصرخة (ليمونشي) ثم وبكلمات مالحة بطعم الدموع قالت لي (تطلقنا) منذ شهور شعرت برفرفة جناح باردة في حلقي وبخدش حارق.. قلت لها وكما يفعل راشد يحاول أن يخفف عن معناة طفل صغير.. كان يحبك! أخذت نفساً عميقاً نظرت لي وعيناها تموجان بالدمع قائلة.. تخلى عني.. هدم كل شيء.. لوث كل شيء بخيانته لي.. أحببته يوماً غير أنه لم يبق الآن شيء منه في.. اليوم الذي تأكدت أنه خانني طلبت الطلاق وانتهيت باعتزازي بذكرى يده الدبقة على يدي منذ موعدنا الأول في محل (دوف) للتبغ.. غفرت له الكثير لأن الحب يتطلب الكثير من الغفران.. المرء لا يحظى إلا بحبيب واحد وكان هو حبيبي.. تركته حتى أعثر على نفسي وأعيد اكتشافها.. كنت بحاجة إلى أن أعيد الاعتبار لنفسي من جديد وإلى التصالح معها.. لم أعد بالنسبة له إلا رقم هاتف في ذاكرة محمولة وعطل صيفية في بحيرة (أوزارك) لم يعد يدللني أصبحت حياتنا مثل فيلم أخير مدته دقيقة أشد دقيقة رأيتها في حياتنا تأثيراً عن ألم الخيانة والفقدان والخوف والوحدة.. كنت أقف على رؤوس أصابع قدمي لأقبل عنقه.. كنت غنية بثقته وكان أعظم ثروة عندي.. عندما تأكدت من خيانته جلست على طرف السرير بقيت على تلك الحالة لفترة نظرت حولي إلى غرفتنا.. إلى الإطارات الذهبية مع صور الأطفال في جميع مراحل العمر.. إلى صورة زواجنا على الطاولة.. لم أبك.. لم أضرب الجدران.. لم أنتف شعري.. لم أحطم كل شيء حولي.. تكمل في صوت متهدج إلا أن كل الصور تطفو من جديد، الصور الجميلة تطفو دائماً على السطح عندما يرغب المرء في إغراقها.. ظلت رائحة رغوة حلاقته وعطر عرقه اللطيفة المتوارية في ثنايا ملابسه ورائحته اللاذعة في نشارة الخشب العابقة في الهواء.. أتذكر صوته وكلماته.. أتذكر كيف اختفى كما في فيلم (ردي) يذهب صديقك في رحلة نهاية الأسبوع وفجأة تعرفين أنه لن يعود مجدد.. فراغ كوكبي كئيب واعتراف بالعزلة.. خرجت كلمة العزلة من حلقها بطيئة ضعيفة.. صورتها في تلك الحالة من الضعف أعادت لي ذكريات الأيام الأخيرة قبل رحيل الكثير من حياتي.. كنت مستعداً لفعل أي شيء لأجنبها ذلك الشعور الصعب بالوحدة والخسارة والتوهان.. أحسست بغصة تعاطف معها.. سألتها وأين هو الآن؟.. سحبت من على المنضدة ورقة وكتبت لي على قصاصة عنوانه بهدوء.. ودعتها.. حملت نفسي إليه استقبلني بذراعين مفتوحتين.. تبسم لي ابتسامة تذكرني ببائع السيارة الذي باعني أول عربة (موستنج) في السبعينات.. بدا لي تائهاً فاقد التركيز قال لي تفضل بالجلوس.. خذ راحتك.. أنت هنا في منزلك.. كانت عيناه الزرقاوان من قبل تحولتا للون الرمادي الماطر كأنهما شارع جف.. الحزن يغير حتى لون العيون! قلت له نهاية غريبة وحزينة أجابني ودموع صغيرة تتلألأ في عينيه.. هدمت قلعتي السعيدة بيدي.. كانت الكلمات تسيل من فمه كالدموع كان يجلس مرتدياً قميصاً أبيض وبنطالا رماديا فاتحا وقدماه عاريتين.. أكمل في خيبة لقد تحولت في الأيام الأخيرة لكل ما تمقته المرأة في الرجل.. لم تعد تحترمني لما فعلته عندما يسقط الاحترام يسقط معه كل شيء.. قاطعته قائلاً أليس هناك مجال للعودة! قال لي ليس سهلاً أن تجعل الأمور عادية وأنت في قاع الحريق كان يتحدث لي كجواد منهك.. كنت أستمع إليه وأنا أدك غليوني بالتبغ.. أكمل كنت أحب كثيراً حلقات (كولومبو) لأنني أعرف القاتل منذ البداية.. أنا القاتل يا صديقي وأقسم لك أنني ما زلت أحبها كان يقسم ويبالغ في قسمه.. كان يختنق.. لم يكن يكذب أعرف ذلك لكن يبدو أن الأوان قد فات.. قال لي أحن أحياناً لأن أهاتفها.. أحن إلى العودة إلى وضع المفتاح من جديد في قفل بيتي الذي تركته وأدفع الباب لأجدها في الداخل.. لكنني متأكد أنها غيرت القفل.. نهضت مودعاً.. حضنني بقوة أطبق علي يبدو أن من يخسر من يعز عليه يُدرك أهمية من تبقى لديه أو ربما هي سمات تعزية النفس أن نُمسك بمن تبقى لنا ممن نحب.. يقول جبران (أنا ما زلت أؤمن أن الإنسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء كلما غادرنا حبيب مات جزء فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيأخذنا ويرحل)!