-A +A
خلف الحربي
قديما كان يقال: «إن كنت لا تدري فتلك مصيبة.. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم»، ويبدو أننا تجاوزنا منذ زمن بعيد مرحلة المصيبة ودخلنا في مرحلة (المصيبة الأعظم) إلى درجة أننا فقدنا الإحساس بخطورة ما نفعله بأنفسنا وأصبحنا نكره كل من يحاول توعيتنا بأحوالنا المؤسفة فنقول له: «ندري ندري.. ما دخلك أنت؟».

بالأمس خرجت هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) عن إطارها الشكلي ووضعت الجميع أمام حقيقة واضحة لا تحتمل المراوغة بعد أن كشفت نتائج تحقيقاتها بخصوص تعيين ابن وزير الخدمة المدنية وكأنها تقول لنا: إما أن تتخذوا خطوات حازمة صارمة لوقف هذه المهازل العلنية أو أن تكفوا عن لوم نزاهة وتتعاملوا معها وكأنها نصب تجميلي ليس له أي فائدة عملية.


فقد كشفت (نزاهة) أن وزارة الشؤون البلدية والقروية لم تنسق مع وزارة الخدمة المدنية بخصوص تعيين ابن الوزير ضمن برنامج استقطاب الكفاءات، بل وتجاوزت إجراءات ضرورية جدا في التعيين، أهمها الفحص الطبي والسن المحدد لهكذا تعيينات، ولم يتوقف بيان (نزاهة) عند هذا الحد بل تجاوزه إلى الإعلان عن وجود الكثير من التعيينات المخالفة للأنظمة اكتشفتها (فوق البيعة!!) أثناء تحقيقاتها بخصوص تعيين ابن الوزير وكل هذه التعيينات برواتب عالية ومعيارها الوحيد «هذا ولدنا.. هذا ابن عمنا.. هذا ابن الجيران»!.

وقد لا يتخيل الكثيرون ممن غرقوا في بحر الفساد حجم الخطيئة التي ارتكبوها بحق هذا الوطن وأبنائه وبناته حين سرقوا منهم جهارا ونهارا فرصة العيش الكريم وتركوهم يهيمون في متاهات البطالة القاسية كي يعينوا الأحباب والأقارب برواتب خرافية لم يكن يحتاج العاطلون والعاطلات الأكفاء إلا عشرها أو ربعها كي يبدأوا حياتهم الطبيعية ويخدموا وطنهم ويصنعوا حياتهم الكريمة.

اليوم لابد مما ليس منه بد وإلا فإن الفساد سيتحول إلى قاعدة متجذرة بينما النزاهة ستصبح استثناء شكليا لا معنى له، فالوزير الذي يرى أن معدل إنتاج الموظف السعودي لا يزيد على الساعة كان يعلم حين أطلق مقولته العجيبة بأن كل القوانين والأنظمة قد أسقطت من أجل تعيين ابنه بمرتب عال، وثمة وزراء غيره قد فضلوا تعيين أقاربهم وأحبابهم في مناصب استشارية أو غيرها دون وجه حق.. صحيح أن هذا الأمر معلوم ومحسوس منذ زمن بعيد ولكنه تحول إلى حقيقة رسمية بعد بيان نزاهة.. ما يعني أننا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما ضربة حازمة صارمة لوقف هذا العبث، وإما أن نتعايش مع الفساد ونعتبره أمرا واقعا لا فكاك منه، وحينها فإنه من الأفضل توفير رواتب موظفي (نزاهة) وتأجير مبانيها على القطاع الخاص!.