-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
هل نشكو الأمية في حياتنا؟ نعم ونعاني منها وندفع ثمنها باهظا، لكنها ليست أمية القراءة والكتابة، فكل أسرة فيها اليوم متعلمون حتى من الآباء والأمهات والأبناء؛ بنين وبنات يجيدون لغة أجنبية، لكن كم منا يقرأ ليزيد نفسه والمحيطين به من الوعي الصحي؟

إذا تحدثنا عن ثقافة الحياة فلا استفادة جادة مما نقرأ، وكثيرون لا يطيقون صبرا على القراءة الهادفة، وأبسط ما فيها الاطلاع على ما يصدر من إرشادات وتعليمات على الأدوية ومعلومات لبعض الأطعمة المعلبة، خاصة أن بعض المنتجات ومنها منتجات العناية بالبشرة وأدوات التجميل النسائية وغيرها تدخل في تصنيعها مواد ذات تأثير ضار وخطير إذا زادت مقاديرها عن المعايير الدقيقة.


اعتدنا على شراء ما يعجبنا وما نشتهيه خاصة شرائح الأطفال التي تتعرض لطوفان من الدعاية الجاذبة من خلال شكل العبوة، دون وعي بالفائدة ولا الوقاية ونضرب بالنصائح الصحية والطبية عرض الحائط.

أسواقنا متخمة بمنتجات لا أول لها ولا آخر من الداخل والخارج، ونطمئن إلى سلامتها طالما تاريخ الصلاحية بخير وفيه متسع من الزمن، لكن المشكلة قد تكمن في المكونات، وحتى الطعم الحلو واللذيذ والشهي أصبح عنوان الثقة التي تغفل أضرارا دفينة. وبمناسبة الطعم الحلو طالعت مشهد فيديو لأب بجانبه ابنه الصغير، ويحمل عبوة حلوى وعليها تحذير يقول ممنوع تناولها على الأطفال أقل من ثلاث سنوات لأنه قد يسبب مشكلات كذا وكذا.

السؤال: كم مستهلكا يشتري هذا الصنف ومنتجات مثيلة له؟ وكم منهم قرأ التحذير أو التعليمات، وبالتالي كم منهم يقدمها لأبنائه، وغالبا الأطعمة غنية الإضافات ومكسبات الطعم فقيرة الفوائد، كثيرة الضرر على الأطفال.

عادة العين تأكل قبل الفم -كما يقولون- وكما يحدث للجميع، فبعض المطاعم تقدم وجبات شهية بأسعار جنونية وإن كانت من لحوم ليست طازجة لأن التوابل والخلطات وطريقة الطهي والنار تداري أي غش. لذلك نحن أمام إشكالية مزدوجة أولها ضعف الوعي، والثانية الغش الذي يكلف الاقتصاد مئات الملايين من الريالات وينهب جيوب البشر وصحتهم، فمن يطمئننا على الصحة، ومتى وكيف نصل حد الوعي الكافي، ومتى نمتلك إرادة التغيير والإيجابية والتفاعل من جانب المجتمع، وبذل جهود أكبر وأشمل للرقابة؟.

لا ندري إلى متى نشكو من نقص أعداد المراقبين المدربين ومنظومة جادة وشاملة وذات خطة واضحة لمكافحة الغش بكافة صوره، والوصول إلى ثغراته ابتداء من المطاعم التي ضاعفت أسعارها دون جودة مقابلة، وصولا إلى منتجات واردة ومحلية رديئة، وتجارة لا تبور مع الجهل الاستهلاكي، وانظروا إلى ما تقذف به المصانع من الداخل والخارج إلى أسواقنا من منتجات وسلع يشهد عليها المقلد من الأدوات المنزلية والكهربائية والسباكة وغيرها، حتى قطع غيار سيارات تتراجع موصفاتها.

لماذا لا نشدد المواصفات في عقود المشتريات الواردات على ضمان الجودة، وأهمها السلامة الصحية، صحيح أن الغش لم ولن يتوقف ومحاولات تسويقه لن تنتهي طالما يوجد بشر، كل ما يهمهم تكلفة أقل وربح أكثر، وهي ظاهرة عالمية خسائرها مئات المليارات من الدولارات.

تغليظ العقوبات يردع المتلاعبين، لكن المشكلة المزمنة تكمن في عدم الوعي لأننا انشغلنا بما يضحكنا ويسلينا بالصوت والصورة، وليس لدينا رغبة ولا وقت لقراءة رسائل التوعية بالكاد سطرين منها ويقلب وجهه عن غذاء العقل والوعي، وتلك هي المشكلة.