-A +A
مصطفى النعمان
يعيش اليمنيون لحظات حيرة وخوف بعد أيام من إعلان المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ عن «خريطة طريق» للبدء في عملية إعادة الهدوء إلى البلاد، فقد اعترض عليها طرفا الحرب الأهلية «الشرعي والانقلابي» وقدم كل منهما مبرراته التي لم ترق إلى المستوى الأخلاقي والوطني الذي تحتمه المأساة الإنسانية التي يعيش فيها أكثر من ٨٠٪‏ من المواطنين، وقد أعدت الحديث مرارا أن اليمني الذي لا يجد قوت أسرته وأطفاله ما عاد مهتما بما يقدمه المتحاربون من مبررات لا تتعدى حدود البحث عن مواقع في السلطة القادمة أو التشبث بما تحت أيديهم الآن.

ارتبط مصير اليمنيين منذ شهر نوفمبر ٢٠١١ بما يمليه عليهم مجلس الأمن حين وقعوا على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وصارت إدارة البلاد محكومة بمصالح دولية انتزعت السيادة الوطنية وتم تسليمها للمجتمع الدولي ولعل في القرار الشهير ٢٢١٦ ما يذكر اليمنيين بأن قرارهم لم يعد داخليا إلا إذا تم التوجه نحو مصالحة وطنية تخفف من القبضة الخارجية والتدخل الإيراني في شؤونه.


في نهاية ٢٠١١ نصب مجلس الأمن الدولي السيد جمال بن عمر المبعوث الأممي السابق لليمن حاكما غير معلن وصار المرجع الأول والأخير لكل القضايا الداخلية وكان مقره قبلة لكل قادة الأحزاب والسياسيين الذين قدموا له الولاء والطاعة وتقربوا له باعتباره حامي الشرعية الدولية والوصي على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، ثم قام بإقناع مجلس الأمن لمباركة (اتفاق السلم والشراكة الوطنية) في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ وانتهت مهمته باعتقال الرئيس هادي ورئيس الحكومة بحاح وعدد من الوزراء.

المبعوث البديل السيد ولد الشيخ جاء متكئا على قرارات دولية سبقت (٢٢١٦) وما تلاه من بيانات وتصريحات، وقد بذل جهدا غير مسبوق لتحفيز ضمير المتصارعين على السلطة، وأكرر إصراري أن الملف اليمني يجب أن يكون شأنا خليجيا صرفا لأن الأوضاع الكارثية التي يعاني منها أغلب اليمنيين باتت تتطلب تحركا إقليميا مباشرا أراه الأقدر والأجدر لانتشال اليمن من الانهيار الكامل الذي لن تقف تأثيراته داخل حدوده، ومن غير المفهوم هذا الغياب الخليجي الضاغط.

ما يحدث في اليمن على الصعيد الإنساني لا يسمح لدول مجلس التعاون التخلي عن وطنهم الثاني والاكتفاء بجهد المبعوث الدولي وعليهم الانتقال من الاصطفاف إلى الضغط المباشر على الجميع والتواصل مع جميع اليمنيين ومنع التدخل الإيراني وحسم الأمر بغير تردد لأن الطرفين المتحاربين غير معنيين بوقف الحرب بل يريان فيها ساحة لتصفية خصومتهما السياسية والاستمرار في محاولات تصفية الآخر.

المنطقة العربية عموما والخليجية على وجه الخصوص تواجه تحديات كبرى تهدد مصيرها وما لم يتم العمل الجاد والسريع لإغلاق الملف اليمني وإشراك جميع الأطراف في حوار يقود إلى مصالحة وطنية تنهي هذه الحرب المدمرة فإن المستقبل سيكون شاهدا على حرائق كبرى.

لقد سمح التقاعس العربي عن استدراك انهيار الأوضاع في سورية والعراق وليبيا بدخول الأطراف الخارجية الطامعة كلاعب أساسي وتوارى الدور العربي وصار مجرد شاهد يتابع الأحداث ولا يستطيع التأثير على مسارها.

الملف اليمني يزداد تعقيدا وخطورة ودموية وترتفع كلفته الإنسانية ولا بد من حضور الدور الخليجي المباشر عموما والسعودي تحديدا.