-A +A
مها الشهري
بالرغم من أننا نبني على الكثير من المقارنات من خلال الإعلام بين العرب والغرب، وننتهج التقليد شبه المطبق للشكل والصورة والأداء بصرف النظر عن طبيعة التوافق الاجتماعي والثقافي كذلك أساليب التنميط للقضايا العامة، إلا أن الغرب سيبقى متماهيا في معطيات تفوقه وسيبني جميع منطلقاته على ذلك الأساس، بينما نجد أن التبعية ستظل مبررة لطبيعة الفجوة في ما بين الواقعين العربي والغربي في جميع مناحي الحياة وليس الإعلام فقط.

يثبت على الإعلام الغربي تناول الطرح بما يتوافق مع المستويين الثقافي والاجتماعي في الداخل، ويؤخذ عليه ما يتناوله من أساليب التضليل على المعلومات التي ينقلها عما يحدث في الخارج وبما يتناسب مع سياسة التوجيه لذلك الإعلام الذي يجعل الناس يصدقونه لما يتوافر فيه من شروط التناول الموضوعي للأحداث، ونجح بذلك في تكوين الصورة النمطية والمسيطرة على العقل الاجتماعي، فهو من يصنع الرأي العام ويؤثر فيه تبعا للبناء الهندسي في المجتمع، ولأن تلك المجتمعات ناتجة عن قرون من الحداثة السياسية والثقافية التي أنتجت بيئة من المشاهدات الناقدة تتميز بما تتمتع به من حياة حزبية تتحكم فيها ضوابط وآليات للنشاط السياسي خارج دائرة الإعلام، فمن الصعب أن يكون الموقف لدينا هو الضد، ذلك تفسيرا لطبيعة مجتمعاتنا وخطورة التأثر بما يقال هناك -خاصة على المستويين السياسي والاقتصادي- في الوصول إلى خلق أجواء من التطرف والتحريض على المستوى الاجتماعي.


صحيح أن كثرة الانتقادات الموجهة من الإعلام الغربي لاذعة ومؤلمة أحيانا كونها تأتي من الصناعة الأكثر ريادة وتقدما على المسرح الحضاري، ولكن علينا أن نصنع إعلاما تنويريا يغض الطرف عما يقال بمقابل أن نعمل عملا حقيقيا نحقق فيه احتياجاتنا التنموية وليس السعي في انعكاس الصور التي قد تؤخذ على عدة أوجه من خلال تفسيرها إعلاميا في الواقع الغربي، لأننا في هذه الحالة سنبقى مهتمين بالشكليات التي نثير فيها إعجابهم بينما هي لا تحقق لمجتمعنا عملا حقيقيا.

مهما سعينا ليمتدحنا الإعلام الغربي فلن ننال إعجابه ما لم تتحسن أعمالنا في الداخل وخصوصا ما يتعلق بالحقوق والإنسان، ومن الجيد أن يتحدث الآخرون عن إنجازاتنا على سبيل الذكر أو الثناء، ولكن الأفضل أن يأتي هذا الحديث كنتيجة لما نبنيه بناءً حقيقيا داخل مجتمعاتنا وليس كهدف يثير الإعجاب على المستوى الظاهري والخارجي والذي قد يعرضنا للنقد والسخرية التي سمحنا بأن تكون مجالا للتأثر والتأثير.