-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
باستثناء قطاعات وزارة الداخلية التي لا تهمل شكوى ولا بلاغا ولا قضية ضد مجهول، ودائما تسجل الريادة والسبق في تطوير الخدمات، نجد وزارات أخرى خدمية ليس للشكاوى والحقوق محل لديها من الاهتمام. نتذكر صناديق الشكاوى والاقتراحات في زمن مضى بمختلف الأجهزة الحكومية، وصولا إلى المدارس والمستشفيات وبعض مؤسسات القطاع الخاص، وكان موقع تلك الصناديق في المداخل لسماع صوت المراجع وكل صاحب حق، وغالبا كانت الصناديق خشبية أو زجاجية شفافة حسب نظرة المسؤول لصوت المواطن، وكان بعضها يجد صدى، والآخر في دائرة النسيان، مع أن الشكاوى هي صوت المراجع ومرآة المسؤولين.

اليوم تحولت الصناديق الخشبية والزجاجية إلى بريد إلكتروني، ورسائل مفتوحة على شبكات التفاعل والتواصل الاجتماعي، ولم تعد الشكاوى حبيسة الصناديق بل تنشر على الملأ صوتا وصورة حية في أكثر من موقع، ويقرؤها آلاف البشر قبل عين المسؤول وموظفيه، وبعضها سحب الكرسي من تحت مسؤول ومحاسبته وربما مساءلة قانونية ومعاقبة موظفين، ورأينا ذلك في حالات عديدة ومواقع وظيفية مختلفة حتى على المستوى الوزاري، خاصة ما يتعلق بزجر مواطن والتعامل باستهانة مع شكواه وحقوقه أو إهمال جسيم موثق بالأدلة على أرض الواقع.


التطور التقني غير الكثير من المفاهيم والممارسات في التعامل مع المواطن، خاصة المراجعين والمتضررين من ظلم أو إهمال أو سوء خدمات، وأصبح هناك رأي عام يتفاعل بسرعة مع كل شاردة وواردة بكل ما في ذلك من إيجابيات، وأيضا سلبيات وغياب موضوعية عندما يختلط الحابل بالنابل، وأحيانا حالات تشويه عمدا مع سبق الإصرار تجاه جهة أو مسؤول، وهذا مرفوض ويطول شرحه.

ما أعنيه هنا أن المراجع وصاحب الشكوى لم يعد يعدم سبيلا لإيصال شكواه لمسؤول أغلق أبوابه، فالشبكة العنكبوتية وبرامج التواصل أصبحت ساحة بلا أبواب، عكس زمان عندما كانت الشكاوى تجد طريقها عبر الصحف، وعلى أكثر تقدير تأتي ردود العلاقات العامة بالتجاوب أو التجمل بسراب الوعود.

في هذا العصر أصبح بإمكان صورة واحدة عن إهمال أو مشكلة من المياه والبلديات أو أحوال سيئة في أي قطاع، يتداولها سكان في غرف التواصل الاجتماعي ليل نهار، مما يسبب وجع رأس للمسؤولين، لكن ليس كل الجهات ولا جميع المسؤولين يشعرون بصداع الشكاوى بل هناك من لا يحرك ساكنا تجاهها.

هناك آلاف الشكاوى عن أضرار من جهات عديدة طورت أساليب التفاعل مع المواطنين والمراجعين عموما، حتى إنك تظنها جادة في تعاملها وحرصها على رضا الجمهور، لكنها للأسف لا تعدو مجرد أبواب إليكترونية لفضفضة الناس مثلما كانت بعض الجهات زمان تعتبر النقد والشكوى (كلام جرايد).

على سبيل المثال قطاع الاتصالات يعجّ بالشكاوى وكذلك خدمات المياه والكهرباء والضمان الصحي بل قطاع الصحة بمجمله والبلديات وحماية المستهلك، وكل تلك الجهات وغيرها يسرت سبل تقديم الشكاوى، ومع ذلك لا حياة لمن تنادي، حتى مع تجاوز الأنظمة وحالات التحايل من مؤسسات أهلية أو إهمال من جهات حكومية. ومع آلاف الشكاوى نسأل ماذا فعلت هذه الجهة أو تلك تجاهها؟ وكم عالجت منها؟ بل هل يتحرك لها جفن؟ الواقع يدعو للأسف، ولو تجاوبت أكثر مع الشكاوى وتحسين الخدمات العامة لوجدنا انطباعات أفضل، مع اليقين بأن رضا الناس غاية لا تدرك، لكن المطلوب ليس أكثر من إنصاف الحقوق.