-A +A
عبدالله الرشيد
هناك بعض الاتجاهات العقائدية والسياسية تسعى إلى ترويج أفكار مغلوطة، ودعايات مضللة تفتقر إلى أدنى درجات التحقق والمصداقية، من أجل إشعال نار الخصومة والثأر وتجييش الأتباع وتحريضهم ضد فئة أو طائفة معينة. وقد يكون نشر مثل هذه الأفكار عن جهل وقلة اطلاع، أو قد يكون عن عمد وقصد، لأن التثبت والتجرد العلمي يعريان الخطاب الطائفي العدائي ويفقده مصداقيته، لذلك تنشط هذه الاتجاهات في تكريس الاتهامات الباطلة وترديدها مرارا وتكرارا حتى تصبح عند أتباعهم حقيقة، وربما يصدقها أو يظن بعض من يختلف معهم أن لها أصلا واعتباراً.

من أمثلة ذلك الاتهامات الموجهة للسنة وللسلفيين على وجه التحديد بأنهم «أعداء آل البيت»، «أنصار يزيد»، «مبغضون لآل الرسول عليه السلام»، وأنهم «قتلة الحسين» وغيرها من المقولات والادعاءات المتهاوية المتهافتة البعيدة كل البعد عن المنطق والواقع، المجافية لحقائق التاريخ. ومع ذلك ترد هذه التهم باستمرار في بعض الخطابات الشيعية الحزبية والحركية حتى غدت كأنها مسلّمة لا جدال فيها، مع أنها في الأصل محض افتراء يدحضه الاطلاع على أقرب كتاب سني سلفي.


من النماذج الصارخة على هذا الأمر موقف رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي حين أراد مواجهة الاضطرابات السياسية في بلاده قام باستدعاء التاريخ وأسقطه على الواقع بصورة مثيرة للشفقة، فقال: «نحن اليوم أمام مواجهة مستمرة بين أنصار الحسين وأنصار يزيد»!

شبيه بقوله، ما أورده جلال معاش -رجل دين شيعي عراقي- في كتاب له بعنوان (الحسين والوهابية)، حيث يقول: «اتفق أكثر الدارسين لسيرة ومنهج هذه الجماعة حول العداء العجيب الذي يكنّه ابن عبدالوهاب وأتباعه لأهل البيت النبويّ ورجالات البيت الهاشميّ ككلّ، لا سيما السادة الكرام»، ثم يقول في موضع آخر: «السلفية كلّهم، وعلى رأسهم ابن تيميّة وتلميذه الأخير محمد بن عبدالوهاب ناصبوا رسول الله وأهل البيت العداء، فكان أمير المؤمنين علي عليه ‌السلام أوّل هدف لهم يريدون النيل منه ليبرّروا فعلة أعدائه بني أُميّة بسبابه ولعنه على المنابر أعواماً متطاولة».

إن الخلاف العقائدي والفقهي، مهما بلغت حدته، لا يسوغ الكذب والتجني والافتراء من أي طرف كان. الأكاذيب تبقى أكاذيب، والادعاءات الباطلة تبقى باطلة، فالأحكام المعتبرة هي التي تبنى على أدلة صحيحة وشواهد ثابتة، أما حين تلجأ إلى اختلاق قصص لا أصل لها من أجل تشويه خصمك، فأنت تشوه نفسك في المقام الأول، وتكشف عن حقيقة أخلاقياتك، ومدى صدقك ونزاهتك.

المسألة هنا ليست مرافعة أو دفاعا عن فئة ضد أخرى، بقدر ما هي تبيان للحقيقة كما هي دون تحريف أو تشويه أو تزييف. لذلك دعونا نتعرف على موقف الشيخ محمد بن عبدالوهاب من آل البيت، وموقفه من علي بن أبي طالب، والحسن والحسين رضوان الله عليهم، من كلامه هو نفسه، وكلام أبنائه، وإليك طرف منها:

1- حول حق آل البيت وفضلهم، يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب: «لآله صلى الله عليه وسلم على الأمة حق لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحق سائر قريش، وقريش يستحقون ما لا يستحق غيرهم من القبائل، كما أن جنس العرب يستحقون من ذلك ما لا يستحقه سائر أجناس بني آدم...» (مسائل لخصها الإمام محمد ابن عبد الوهاب من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، ص:51)

2- الحق كان مع علي وليس معاوية، يقول: «علي بن أبي طالب وأصحابه: أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه. وأن الفريقين كلهم لم يخرجوا من الإيمان» (مختصر السيرة: 1/‏321).

3- شهادة الحسين كرامة من الله: «اعلم وفقني الله وإياك أن ما أصيب به الحسين رضي الله عنه من الشهادة في يوم عاشوراء إنما كان كرامة من الله عز وجل أكرمه بها ومزيد حظوة ورفع درجة عند ربه وإلحاقًا له بدرجات أهل بيته الطاهرين، وليهينن من ظلمه واعتدى عليه» (مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب ج12).

4- من الجهل إسقاط حق آل البيت عليهم السلام: عاتب بعض أتباعه لمَّا علم أنهم أنكروا على أحد الأشراف المنتسبين لآل البيت تقبيل الناس يده ولبسه اللون الأخضر، فقال: «فقد ذكر لي عنكم أن بعض الإخوان تكلم في عبد المحسن الشريف يقول: إن أهل الحسا يحبون على يدك وأنك لابس عمامة خضراء... فأما تقبيل اليد فلا يجوز إنكار مثله، وهي مسألة فيها اختلاف بين أهل العلم، وقد قبَّل زيد بن ثابت يد ابن عباس وقال: (هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا) وعلى كل حال فلا يجوز لهم إنكار كل مسألة لا يعرفون حكم الله فيها، وأما لبس الأخضر فإنها أحدثت قديمًا تمييزًا لأهل البيت؛ لئلا يظلمهم أحد أو يقصّر في حقهم من لا يعرفهم، وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله على الناس حقوقًا فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو...» (محمد بن عبدالوهاب/‏الرسائل الشخصية: 1/‏284).

أما ابنه الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، فله أقوال في الموقف من آل البيت، ومن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، منها:

1- «ونحن نعتقد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولى بالخلافة من معاوية فضلًا عن بني أمية، وبني العباس. والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، صح عن جدهما صلوات الله وسلامه عليه أنهما: (سيدا شباب أهل الجنة) وهما أولى من يزيد بالخلافة».

2- «بل جميع أهل السنة يتولون عليًا وأهل البيت، ويقدمونه على معاوية، بل وعلى من هو أفضل من معاوية... إلخ».

3- «وأما سائر أهل السنة والجماعة فكلهم يتولون عليًا وأهل البيت ويحبونهم، وينكرون على بني أمية الذين يسبون عليًا، وكتبهم مشحونة بالثناء عليه ومحبته وموالاته، وجميع كتب الحديث مذكور فيها فضل علي وأهل البيت...».

4- وعن فعل الناصبة وأشباههم، يقول الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: «...أما لعن علي رضي الله عنه فإنما فعله طائفة قليلة من بني أمية، وهم عند أهل السنة ظلمة فسقة، وأهل السنة ينكرون عليهم ذلك بألسنتهم ويروون الأحاديث الصحيحة في فضائل علي. وذلك أنهم أرادوا وضعه عند الناس، وحطّ رتبته ومحبته من قلوبهم فجازاهم الله بنقيض قصدهم، ورفعه الله، وأظهر أهل السنة والجماعة فضائله، وحدثوا بها الناس، فاشتهرت عند العامة فضلًا عن الخاصة، وجميع أهل السنة يحبونه ويوالونه...».

5- «وكثير من أهل السنة يرون أن عليًا مصيب في قتاله لمعاوية ومن معه، وكلهم متفقون على أنه أقرب إلى الحق وأولى به من معاوية ومن معه... إلخ».

6- «الذين ظلموا أهل البيت وقتلوهم أو واحدًا منهم، هم عند أهل السنة والجماعة أئمة جور وظلم لا يحبونهم ولا يوالونهم، بل يبغضونهم ويعادونهم، ويلعنون من ظلم آل البيت. وهذه كتبهم مليئة بالثناء على أهل البيت والدعاء لهم، والترضي عنهم، وذمّ من ظلمهم..»

7- «.. وأما دعواهم أن أهل السنة قد رضوا بسب علي رضي الله عنه، فهذا كذب عليهم لا يمتري فيه أحد، بل هم ينكرون سب علي رضي الله عنه أشد الإنكار في قديم الزمان وحديثه...» الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب/‏ الدرر السنية، 1/‏65-209. (للاستزادة حول هذا الموضوع، أنظر دراسة الباحث خالد الزهراني، بعنوان: الإمام محمد بن عبد الوهاب، وأئمة الدعوة النجدية، وموقفهم من آل البيت عليهم السلام).

هذه الشواهد وأمثالها تؤكد أن جزءاً كبيراً من الخطاب الطائفي يقتات على ترويج الأغاليط والأكاذيب، من أجل شحن الأتباع بطاقة من العداوة والكراهية لتسخيرها في صراعات يحركها أصحاب المطامع والأهواء السياسية، والنتيجة مزيد من الفوضى والشقاق، وسقوط ضحايا أبرياء لا حول لهم ولا قوة.

في ختام هذا الموضوع يحسن الإشارة إلى مسألة شخصية من حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب العائلية، فهو قد سمى ثلاثة من أبنائه بـ(علي وحسن وحسين) وسمى ابنة له (فاطمة)، أما كنيته فهي (أبو حسين) على ابنه الثاني، حيث إن كنيته الأولى كانت: (أبو علي) على ابنه الأول (علي)، لكنه مات صغيرًا، ثم سمى الشيخ محمَّد أيضًا ابنًا له آخر باسم: (علي) على اسم ابنه الأول.