-A +A
مي خالد
توفيت إحدى قريباتي قبل أيام وسافرت للوقوف بجانب بناتها. حين وصلت توجهت للمقر المخصص للنساء تحت تصنيف: «عزاء الحريم». لكني في العزاء وقفت أنا والموت مشدوهين من المظاهر التي طغت على المناسبة الحزينة.

كأني رأيت الموت وقد تحجرت الدموع في عينيه وهو يرى بعض النسوة المعزيات يعبثن بهيبته وبوجع الفقد.


دخلت امرأة متشحة بالسواد وهي تحمل طبقا خزفيا ضخما يحوي فطائر غريبة ومزينا بحبتي أناناس ضخمة!

ودخلت أخرى بطقم فناجين كرستالية مزينة بقطع السواروفسكي الغالية. أما الثالثة فكانت تبحث عن طبق وضعت فيه تمرا ولكنها أضاعته بين أطباق التمر الأخرى فراحت تبحث عنه بصوت عال وتخبر الأخريات بأنه لو لم يكن فاخرا وقد أحضرته من إحدى سفرياتها لم تكن لتبالي ولتركته وذهبت بدونه للبيت!

وبينما تصلني قهقهات خفيضة من أطراف مجلس العزاء وأنا أفتش عن منديل أمسح به دموعي، إذ قدموا وجبة عشاء عبارة عن قطع كبيرة من اللحم المندي والرز المزين بالمكسرات والزبيب!!

هل هذه وجبة لائقة بمشاعر الحزن إذا أخذنا بالاعتبار أن الأكل لمواساة من فقدوا قريبهم ومحاولة لإطعامهم وليس احتفالا بموته!

لا أعرف متى تسللت مظاهر البذخ إلى العزاء وكيف صار تقديم الوجبات الفاخرة أحد الطقوس. أنا التي كبرت على مشاهد المسلسلات المصرية والسورية وهم يقدمون القهوة السادة في سرادق العزاء ويقولون: اشربها على روح الميت. لذا تخيلت أني آكل لحم الميت وأنا متحلقة مع بقية النسوة حول طبق الرز واللحم!

الميت بحاجة لدعاء ذويه ومن يحبونه. بحاجة لتقديم مشروع صدقة أو فكرة رائدة يذهب إليه أجرها.

والمعزون إن كانت وما زالت الدنيا وبذخها تغريهم بحب الظهور فالأجدر أن نقفل مجالس العزاء على أقارب الدرجة الأولى ونكتفي برسائل مواساة الناس عبر الجوال أو نستقبل اتصالاتهم فقط. وكفى بالموت واعظا.