-A +A
مها الشهري
عملت وزارة التعليم على مشروع (حصانة) الذي طالبت فيه إدارات المدارس بالتنفيذ من أجل التوعية الفكرية ضد التيارات التي تهدد الأمن الفكري للطلبة والطالبات، ولكن الغريب في ما ورد عن هذا المشروع هو الخلط الواضح لمفاهيم التطرف والحزبية والطائفية ووضعها جميعا في سلة واحدة.

الواقع أن الكثير من الرؤى والأفكار التي اصبح الناس في يومنا هذا يعتقدون بها -بعيدا عن فكرة الانسلاخ عن الدين- قد أتت إليهم من مصادر معرفية أخرى كانت في بعض جوانبها متناقضة مع منهجيات التعليم، وهي أقوى تقبلا وأكثر تأثيرا على فكر الشباب من التعلم في المدارس، والذي يبرر ذلك كثرة النقد المطروح لسنوات طويلة حول تلك المناهج وآلياتها وطرق الإصلاح المقترحة والمتعددة من أجل التغيير واستغلال التعليم وتمكينه كأداة لها القدرة في إصلاح المجتمع والنهوض بمقوماته، فإن كان الهدف من هذا المشروع هو العودة إلى المربع الأول الذي يقتضي بناء الفكر وتوجيهه نحو رأي واحد يرفض التقبل لأي منهجية تعددية في التنشئة فهذا يعني أنه لم ولن يتغير شيء في هذا الجانب، حيث إن الطرح الموضوعي للمعرفة بشتى أنواعها واختلافاتها قد أثبت أنه أجدى بكثير من أساليب التحذير وفرض الرفض الذي يصاغ من خلال هذه الآلية وما يشابهها من بعض البرامج المعتمدة من الوزارة والمنفذة في مدارسنا حتى اليوم.


إن الأمن الفكري الذي يجب أن تعتمد الوزارة منهجياته يبدأ من توجيه التربية النفسية للفرد بعيدا عن التعصب، ذلك إلى جانب إرساء آلياتها من خلال المناهج التعليمية، وهذا يتطلب أن لا نضع جميع المبادئ والأفكار التي تعدد منها البشر في طبيعتهم وكانت معيارا لاختلافاتهم ومشاربهم وقوامهم المجتمعي النهضوي في سلة التطرف الفكري والحزبية والطائفية بصورتها السلبية، ولا ينبغي أن يتعلم أبناؤنا أن تطبيق العلمانية كمنهج في شكلها العام ولو لم يتناسب مع معطياتنا بأنه وجه من أوجه التطرف والفكر الهادم، فقد قامت الكثير من دول العالم الأكثر تطورا وتقدما في جميع مجالات الحياة على أسس طال التمادي في تطبيقها لدينا فكريا وعمليا، كذلك فإن أكثر من تعاطفوا مع أردوغان في وقت ظهر عليه عصيبا لم يتساءلوا عن علمانية دولته، ومن ذلك فلا بد من التوقف عن استخدام العاطفة الدينية لتوظيف الرفض للرأي الآخر، ولا بد من العدل في إيصال المعلومة الصحيحة بعيدا عن الأهداف التي تحقق صناعة عقل جمعي واحد، وبعيدا عن التعامل وكأن المجتمع مخلوق وحيد يستعصي عليه التشابه والمطابقة مع أي صنف من مجتمعات البشر.