-A +A
سعيد السريحي
من المسلمات أن كل حكم قضائي ابتدائي يخضع لعوامل عدة تؤثر في مدى عدالته، من تلك العوامل معرفة القاضي بالأحكام ومعرفته كذلك بجوانب القضية التي ينظر فيها وتقديره لما يمكن أن ينطبق على تلك القضية من أحكام، ولذلك يبقى حكما يعبر عن اجتهاد القاضي ووجهة نظره بصرف النظر عما إذا كان ذلك الحكم صحيحا أو خاطئا، ومن هنا كان حق الاستئناف حقا مكفولا للمتخاصمين في القضايا الخاصة وللادعاء العام في القضايا العامة، والاستئناف فرصة لإعادة النظر وتمحيص القضايا وتحري وجه الصواب وتحقيق العدالة.

وأحكام القضاء الابتدائية على ما قد يعتورها من خلل توجب علينا احترامها من باب حسن الظن في القضاء وقضاته، غير أن ما يتكشف لنا من خلل في اجتهاد بعض القضاة يدعو للدهشة، ومن تلك الأحكام ما نقضته المحكمة العليا من حكم بالبراءة صدر ضد أحد كتاب العدل، الذي كشفت التحقيقات في كارثة سيول جدة تورطه في قضايا رشوة أشار إليها التقرير الذي نشرته «عكاظ» يوم أمس، وجاء فيه «واتهم كاتب العدل السابق عدة اتهامات، أبرزها حصوله على مبلغ 150 ألف ريال نظير تسهيل معاملة تتعلق بصك مخطط سكني، إضافة إلى تسريعه لإجراءات صك آخر مقابل رشوة قدرها 200 ألف ريال، فضلا عن حصوله على قطعة أرض مقابل تسهيل معاملات لمتهم آخر في فاجعة السيول، وحصوله على هدايا منوعة من أحد رجال الأعمال، وتسلمه أموالا مقابل تسهيل إجراءاته».


نقضت المحكمة العليا الحكم بالبراءة وحكمت على كاتب العدل بالسجن عاما واحدا، مشيرة إلى أن ذلك الحكم الذي يبدو مخففا إنما هو «مراعاة لكبر سنه»، ومع تقديرنا لما حكمت به المحكمة العليا واحترامنا لما تبت فيه من أحكام إلا أن فهمنا يقصر أن نفهم أن يكون «كبر السن» مما يشفع للمجرم فيتم تخفيف الحكم عنه، وفهمنا «القاصر» يوهمنا أن كبر السن الذي لم يردع عن ارتكاب تلك الجرائم إنما هو مظنة لتشديد الحكم والتغليظ فيه، ومع ذلك فالقضاء أدرى بما يحكم به.

Suraihi@gmail.com