-A +A
خالد عباس طاشكندي
رحم الله الأمير سعود الفيصل حين قال: «لسنا دعاة حرب، ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها»، وحين قال في ذروة أحداث الأزمة السورية: «إيران دولة جارة، وذات حضارة، وذات إمكانيات، ونأمل أن تكون العلاقات على أحسن ما يرام بين دول المجلس وإيران»، وسدد الله خطى خلفه الوزير عادل الجبير الذي قال بعد مرور أقل من شهرين على أزمة الاعتداء على مقراتنا الدبلوماسية في إيران «لا شيء يمنع من فتح صفحة جديدة مع إيران ‏وبناء أفضل العلاقات معها مبنية على حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين». هكذا هي السياسة ومن من يتعاطى معها باحترافية لتحقيق مصالحه عليه أن يترك الباب دائما مفتوحا بشكل «موارب»؛ لأنه قد يحتاج إليه يوما ما.

ولذلك عندما نطرح ملف الأزمات الشائكة في علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي يشوبها التوتر حاليا، يجب أن نضع سلسلة من الاعتبارات في الحسبان، فإيران تعد جارا إقليميا، ولا تزال عضوا في منظمة التعاون الإسلامي، وعضوا مؤسسا في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) منذ عام 1960، ولديها علاقات قائمة وقوية مع عدد من الدول العربية والإقليمية بل والخليجية أيضا، وهذا بالإضافة إلى أن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران في يوليو 2015 مع مجموعة (5+1) فتح لها آفاقا جديدة للعلاقات مع العالم بعد خروجها من عزلتها، وتخفيف العقوبات الاقتصادية والعسكرية عنها، وما سيتبع ذلك من رفع الحظر عن أموالها المجمدة، بل ونجحت نوعيا في فتح قنوات تواصل وتقارب مع أحد أهم حلفائنا الإستراتيجيين (الولايات المتحدة)، كما أن إيران التي منعت مواطنيها من الذهاب إلى أداء فريضة الحج هذا العام، حتما ستعدل عن موقفها وتعود للموافقة على إرسال مواطنيها لأداء الفريضة بعد التوافق حول الشروط التي عليها الالتزام بها.


المشكلة مع إيران تكمن في مشروعها المعلن منذ عام 1979 وهو «تصدير الثورة» التي حولتها من دولة مدنية إلى دولة دينية ثيوقراطية وما أتبعها من نمط محدد في علاقاتها مع دول الجوار ومتعارف عليه، وتم التصدي لهذا المشروع في فترات مختلفة، من بينها الحرب العراقية الإيرانية مطلع الثمانينات، التي قضت عليه حينها، ثم عاد الخطاب الإيراني السياسي مجددا إلى لهجة «تصدير الثورة» تزامنا مع اندلاع فوضى ما سمي بـ«ربيع الثورات» مستغلا تداعي الأزمات في العالم العربي، كما استطاعت إيران مؤخرا اختراق العراق الشقيق وتسيير سياساته الإقليمية وفقا لمصالحها، وذلك بعد أن مهدت الولايات المتحدة الأمريكية الطريق أمام إيران منذ عام (2003) للانقضاض على العراق كما تنقض الضباع على الجيف بمباركتها لقانون اجتثاث البعث وحل الجيش العراقي، ليمتد هذا النفوذ تدريجياً ويصل إلى لبنان، ما تسبب في حالة متطورة من التأزيم السياسي منذ (مايو 2013) بسبب الفراغ الرئاسي والحكومة المعطلة نتيجة لرفض الكتلة النيابية والذراع الإيرانية في لبنان (مليشيا حزب الله) المشاركة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كما سعت إيران للتغلغل في (اليمن) لولا رد الفعل العاجل للمملكة العربية السعودية المتمثل في قيام عاصفة الحزم وقيادتها للتحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن وقطع دابر الأطماع الإيرانية.

ولكن هذا لا يعني أن التصدي للنهج الإيراني القائم حاليا لا يتم إلا بالردع العسكري والتصادم معها، وعلينا أن ندرك أنه لولا الخلل الأمني وتداعيات الفوضى التي حلت على العالم العربي بسبب ما سمي بربيع الثورات لما استطاعت أن تجد إيران قبولا لهذه السياسات حتى في «سوريا الأسد»، ولأن إيران لا تمتلك القدرة المادية على دعم الحكومات لتحقيق مصالحها أو مصالح مشتركة مع الجوار لذلك هي تلجأ للطرق الملتوية بدعم المليشيات والتنظيمات العصابية علنا كسياسة ابتزاز لجبي مصالحها، ولهذا لم تجد ميليشيا حزب الله حرجاً في أن تصرح علنا بأن إيران تدفع جميع مصروفاتها، كما أن إيران عادت لخط تصدير الثورة نتيجة لحالة الخلل والبؤس التي تعاني منها، فهي دولة آيلة للسقوط لذلك هي تحكم قومياتها المتظلمة بالحديد والنار أو بالرافعات التي تعلق عليها المشانق لآلاف المعارضين لأن وضعها الداخلي مهترئ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولذلك علينا أن نستغل هذه الظروف التي نشأ على أثرها السلوك الإيراني السلبي تجاه دول المنطقة ونوظفها إيجابيا بالعمل على إعادة احتواء إيران في محيطها الإسلامي ومراعاة القواسم المشتركة التي تجمعنا، مقابل حزمة من الإجراءات التي ممكن أن تصلح هذا المسار، حيث علينا أن نتصدى للبؤر غير المستقرة التي خلقتها إيران في الخليج والعمل المشترك على وقف منابع التمويل الإيراني، وتفكيك الخطاب الإعلامي السيئ لإيران، وتقوية النشاطات الاستخباراتية وتبادل المعلومات بين دول التحالف لمتابعة النشاطات المشبوهة، ومن ثم الجلوس على طاولة مفاوضات مكشوفة مع إيران.

هكذا هي السياسة، ولمن لا يعلم، من نراه اليوم عدوا كان بالأمس صديقا، فقد كانت إيران في عهد الشاه هي أول دولة تستجيب لدعوة الملك فيصل رحمه الله عام 1965 وتؤيده في تشكيل «منظمة المؤتمر الإسلامي» تحت مسمى «الحلف الإسلامي»، في حين لم تستجب أي دولة عربية لمبادرة الحلف الإسلامي سوى الأردن مما أدى لتأجيل تأسيس المنظمة، والذي لو تم حينها لربما تغير مجرى التاريخ ولم نشاهد نكسة العدوان الإسرائيلي في 67م، والذي كان سببا رئيسيا في إعادة النظر وتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969.