-A +A
علي مكي
قلتُ من قبل إن ثمة لاعبين يبزغون فجأة ثم ينطفئون سريعا، لا يمكثون طويلا في ذاكرة الجماهير. وثمة لاعبون يهيىء لهم الحظ والإعلام الانتقائي المتعصب مكانة مزيفة!، فيما هناك آخرون مهمون حقا، تتحدد عليهم وعلى حضورهم انتصارات فرقهم، منهم من يهيىء الفرص ويطبخها، ومنهم من يختم طهوها وتقديمها وجبة دسمة للشباك. وقد مثلت لهذه النوعية فيما مضى باللاعب السعودي المعتزل يوسف الثنيان. أما اليوم، في راهننا الكروي، فلا يوجد من يمثل هذه النوعية النادرة من اللاعبين سوى اللاعب السعودي الكبير المعتزل حديثا "محمد نور"، فهو ليس من أولئك الذين يومضون ويخفتون بسرعة، ولا من هؤلاء الذين هم صنيعة التعصب والزيف. محمد نور حالة ،خصوصا، أمسى اليوم قلب الذاكرة الجماهيرية بمختلف ميولها.

محمد نور لا يكتفي بدور واحد فقط. في الملعب هو يقوم بكل المهمات والأدوار: يعد المقادير، يطبخ ويطهو ويُنضج، وأحيانا يولم بنفسه وليمة أنيقة للشباك، وللجماهير.. وحتى الخصوم .. يأكلون منها ولا يشبعون.. وفي هذه النقطة بالذات محمد نور كريم جدا وأصيل بامتياز.


في كل الساحات والميادين والملاعب التي مر عليها أو ركض على عشبها أو حرث حقولها لا بد أن يترك أثره وبصمته الخاصة، وكل الملاعب ما تزال تتذكر جيدا دروس اللياقة التي وهبها نور مجانا لمحاور ودفاعات الفرق المنافسة مع أنهم يتمرنون بشكل ممتاز لكنه "المارد الأسمر" يتلذذ بفضحهم، ويوقد نار الفتنة بين مدرب الفريق الخصم ولاعبيه. في فترة سابقة كان ملعب جدة يزهو بنفسه كثيرا، ويفاخر أمام الملاعب الأخرى بأنه شهد أجمل فصول المتعة في فن كرة القدم، اندهش طويلا لفن النمر السعودي ورشاقته ومهارته وخفته وراح يتابع هذا النمر السعودي الأليف والشرس في آن، أليف على الكرة وشرس على شباك المنافسين.

محمد نور هوساوي مارد جميل يخرج من قمقمه فيحيل فضاء الملاعب للأهازيج والمواويل والهتاف الذي لا ينضب. لا يختار إلاّ الزوايا الصعبة.. ممعنا في إثبات فنيته وتميزه وخطورته.. يقاتل بشراسة.. يتحدى الحصار ويكسر أعتى أنيابه.. عنيد لدرجة مذهلة في الصمود أمام الإصابة وضرب الخصوم غير الشرعي، ولا يضحك إلاّ هو في النهاية بهدف بالغ الصعوبة.. وبالغ الشاعرية.

محمد نور، بالفن، هو أكبر أولاد الاتحاد، وهو المعلم والمهندس والمقاول في الفرقة الصفراء، هو بداية الفريق واكتماله وبهاؤه، وفعلا وقت يهل نور ويحضر بذلك المزاج (الرايق) والصافي، تكتمل المتعة وتسرب نشوتها لعروق الملعب.. تسقيه بماء الدفء البهيج. ومحمد نور أسطع نموذج على أن الاتحاد كان عقلا وقلبا معا، فليس هو إلا عقله وقلبه والصانع الأول للفرح.

أقول هذا الكلام بعد أن زادت الأمور ضبابية حول مهرجان اعتزاله واقتراب حسم قضية المنشطات في محكمة "الكأس" الدولية، ولاعبٌ مهم وحيوي مثل محمد نور ليس لائقا أن تكون نهايته بهذه الصورة غير المشرفة!

Alimakki209@hotmail.com