-A +A
محمد الساعد
خلال الجلسة الختامية لملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي 2012، التي أقيمت تحت عنوان «تنافسية السفر والسياحة»، ألقيت على مسامع الحضور من رسميين ومستثمرين دراسة مثيرة، تشير إلى أن أكثر من نصف السعوديين يسافرون للاستجمام والسياحة خارج البلاد سنويا.

الدراسة التي نشرت في صحيفة أرقام المتخصصة في الاقتصاد أكدت أن عدد السياح الذين غادروا المملكة خلال العام الذي سبق الملتقى وصل إلى 12.7 مليون سائح، منهم 1.9 مليون إلى الإمارات فقط.


اليوم ومع الظروف الاقتصادية الدقيقة التي تمر بها المملكة، وتؤثر على البلاد والعباد، فإن بعضا من المراقبين والمحللين الاقتصاديين يرون أن الإجازة المدرسية القادمة، التي ستبدأ من يوم 10 نوفمبر وحتى 20 منه، ستكون محكا مهما في اكتشاف سلوك المواطنين وإحساسهم بعمق الأزمة من عدمه.

سيكون السؤال الكبير.. هل مست تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة جيوبهم، وهل رشدت أساليبهم الاستهلاكية، أم ما زالوا منفصلين عن واقع اليوم الاقتصادي، وضرورة «شد الحزام»، الذي تقتضيه مثل هذه الأزمات، واندفعوا للسفر حاملين وفوراتهم المالية، أو ربما التي استدانوها.

عودا على الرقم السياحي المفاجئ، الذي ألقي أمام أنظار وأسماع مؤسسات سعودية مهتمة بالسياحة واقتصاداتها، ولم تنفه أو تتوقف عنده، مع أنني كمراقب وكاتب أرى أن نبقى حذرين في التعامل معه، وأؤكد أنه يحتاج إلى تحقق أكثر.

صحيح أنه جاء في عز الطفرة الثانية، وارتفاع معدلات الرخاء، إلا أنه يعطي مؤشرات ورسائل مهمة، لعل أقلها أن ما يزيد على نصف الشعب كانوا في حالة هروب جماعية، للبحث عن الحياة مع كل إجازة أتيحت لهم.

أما ما يخص السلوك الاستهلاكي للسعوديين، ففي ظني أن المؤسسات المالية السعودية التي تدير أمر الترشيد وإعادة هيكلة الاقتصاد تعيش حالة انفصال عن الناس، فهي انشغلت بخلق حالة تأييد للخطة التي أعلنت، وغفلت عن الذهاب للناس لتشرح لهم كيف ستؤثر عليهم حزمة الإجراءات اللاحقة لها.

كما أنها تركت الناس هناك بين دفتي كتيب الخطة، ولم تأخذهم معها للتعرف أكثر على تفاصيلها والأسباب التي أدت إليها، الأمر الذي جعلها تدفع فواتير غالية مع كل إجراء تطرحه، أضف إلى أن الوزارات الاقتصادية المعنية لم تبذل جهدها في مساعدة مواطنيها على تفادي آثارها القاسية، مع ترسيخ إيمانهم بأنها طريقة للعلاج، سيجنون نتائجها الإيجابية خلال سنوات قليلة.

لقد كان من الضروري بناء برنامج توعوي مواز لحزمة الإجراءات التي تم إقرارها، مع تهيئة المواطنين لها، ودعمهم بالكثير من الأفكار وأساليب الترشيد وترتيب الأولويات لديهم، وتدريبهم على بناء ميزانيات أسرية يعيشون معها بكرامة، أجزم أن ذلك كان سيسهل قبولها، ويدفع الكثير منهم لدعمها.

فأكثر ما يؤثر على المواطنين اليوم هو الخوف والتردد والقلق من المستقبل الاقتصادي عليهم وعلى أولادهم، وهو ما سدد ضربات قاسية على تجارة التجزئة والتشغيل والترفيه، بسبب الإحجام عن الشراء.

لقد صار لزاما على تلك المؤسسات الشرح للناس، وضرورة الفصل بين الإحجام عن الشراء وبين الترشيد، فهما سلوكان مختلفان تماما، وتشجيع الأغنياء ومرتفعي الدخل، ومن ثم الطبقات المتوسطة، على دعم الدورة الاقتصادية بالعودة للشراء العاقل والمنضبط، فالتوقف الكامل قاتل كما التهور في الشراء، فالإحجام يعني أن تساهم في إلحاق ضرر فادح بالقطاع الخاص، وهو محرك وشريك أساسي للعمل والدورة المالية، ومن يوفر نصف الوظائف التي يأكل منها الشعب.

أما الترشيد فهو يعني بكل وضوح استغناء الفقراء ومتوسطي الدخل عن الحاجيات غير الضرورية، وتأجيل وإلغاء السلوكيات الاستهلاكية المنعكسة على حياتهم، مثل السفر في الإجازات وإقامة الحفلات الباذخة، أو استبدال الهواتف النقالة والأجهزة الذكية غالية الثمن.