-A +A
خالد منصور العقيل
إثر تمثيلية تقاسم الأدوار بين إدارة الرئيس أوباما ومجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي فقد شكلت مصادقة وإقرار مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي بأغلبية تصويت ساحقة على مشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف اختصارا «جاستا»، منعطفاً تاريخياً جديداً في خرق مبادئ القانون الدولي وفتح مرحلة خطيرة من زيادة في تصعيد تأزيم العلاقات بين البلدان لها انعكاسات ومتغيرات عديدة من فرض تحالفات جديدة وتحولات سياسية وصراعات كبرى مرتقبة، حيث يتيح قانون «جاستا» الأمريكي المحلي رفع «قضايا مدنية ضد دولة أجنبية أو مسؤول أجنبي لطلب تعويضات عن إصابات أو موت أو أضرار ناجمة عن عمل من أعمال الإرهاب الدولي».

نعم المملكة العربية السعودية هي الدولة الرئيسية المستهدفة من هذا القانون الأمريكي الجائر، إلا أن نص قانون «جاستا» يضع دولاً كثيرة تحت طائلة دعاوى التعويضات الأمريكية، لذلك كل دول العالم معنية آجلا أو لاحقاً بهذا القانون، فهو قانون محلي أمريكي مكن المواطنين الأمريكيين وشركاتهم حق رفع قضايا في المحاكم المحلية الأمريكية ضد الدول (حكومات وأفراد) وما تحكم به تلك المحاكم المحلية على الآخرين التنفيذ، وبمعنى آخر محكمة العدل الدولية وميثاق الأمم المتحدة أصبحا هامشيين... فقط المحاكم الأمريكية لها الولاية والسلطة المطلقة على رقاب العالمين وتستطيع بأحكامها الاستيلاء على خيرات الأمم وشعوب الأرض، أي أن العالم يواجه الآن فعلاً قانون سيد الغاب المسمى «جاستا» القائم على: «نفذ ما تحكم به المحاكم الأمريكية أو تحمل العواقب كما يحصل في دول الشرق الأوسط أو تتم تجميد الودائع والأصول المملوكة للدول والأفراد عبر الشبكات الدولية المالية المسيطر عليها من قبل السلطات الأمريكية».


هذا التسلط التشريعي الأمريكي وتبعاته الضارة وانعكاساته المتوقعة قابلته أصوات عالمية بالرفض الصريح على رأسها الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر قانون «جاستا» الأمريكي مخالفاً لكل ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة بخصوص حرية سيادة وحصانة الدول، ومبدأ المساواة بين الدول، التي تؤكد على أهميتها محكمة العدل الدولية. وكذلك حذر الاتحاد الأوروبي أن قانون «جاستا» سيدفع بدول أخرى لتطبيق نفس القانون وبشكل أوسع. كما ندد البرلمان الهولندي والفرنسي، منظمة التعاون الإسلامي، تركيا، روسيا، مصر، ودول مجلس التعاون الخليج العربية ودول أخرى إخلال وتعارض قانون «جاستا» بأسس وقواعد القانون الدولي بسبب أحادية ومحلية قانون «جاستا»، مما يعني تنصيب الولايات المتحدة الأمريكية نفسها الجهة التشريعية المنفردة والمنفذة للقانون الدولي ويملي ذلك على المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن يتخذوا القرارات والإجراءات اللازمة في توضيح تناقض القانون مع ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ محكمة العدل الدولية وأنه يؤدي إلى الفوضى وزيادة توتر العلاقات الدولية ويساهم في تقليص مجالات التعاون وانكماش حجم التجارة والاقتصاد العالمي. ومن الأهمية مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة الولايات المتحدة الأمريكية إبطال قانون «جاستا» المناقض للقانون الدولي لتحقيق السلم والنمو الاقتصادي العالمي والمثبط لضمان الاستثمارات وحركة التجارة والاقتصاد العالمية.

هذا التوجه السياسي السعودي على مستوى الأمم المتحدة المطلوب دراسته بعناية والعمل عليه بالتعاون مع دول العالم الأخرى لإدانة وإبطال قانون «جاستا» على مستوى الأمم المتحدة لمقابلة التسلط الأمريكي في خطف استقلالية القانون الدولي.

فما هي الأوراق الأخرى الرئيسية المؤثرة التي في جعبة المملكة العربية السعودية لاحتواء وإبطال قانون «جاستا»، والتي يمكن العمل عليها لخلق واقع وموقع سعودي جديد في الساحة الدولية:

أولا: «جاستا» والانهيارات

الاقتصادية العالمية القادمة

بروز القوة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية المهيمنة على مفاصل الاقتصاد العالمي البالغ اقتصادها نصف حجم الاقتصاد العالمي وكقوة عسكرية قاهرة مكنها من ترتيب البيت الاقتصادي العالمي وإدارته وفرض الدولار كعملة التبادل التجاري. ولاستدامة السيطرة خلقت مؤسسات ومنظمات اقتصادية في مؤتمر بروتن وودز المنعقد عام 1944، فعلى المستوى النقدي شكل (صندوق النقد الدولي) والتجاري الممثل في الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات) التي تم إنشاؤها كحل موقت لحين إنشاء منظمة التجارة العالمية، والمالي (البنك العالمي).

لقد عاشت منظومة الاقتصاد العالمي خلال النصف الثاني من الأربعينات، والخمسينات والستينات فترة نمو مزدهر، فقد شهدت تلك الفترة انتعاشا في حركة تراكم رأس المال، ونموا اقتصاديا مرتفعا، وانخفضت معدلات التضخم. وتراجع فيها معدل البطالة إلى أقل من 3 %. وتمت السيطرة على الدورات الاقتصادية، فأصبحت أقصر أمدا وأقل حدة. وعلى النطاق الدولي حدث استقرار في أسعار الصرف واتسمت المدفوعات الدولية بدرجة عالية من التوازن في ضوء الآليات التي وضعتها اتفاقية بريتون وودز. ومهما يكن من أمر، فإن سنوات الازدهار التي شهدتها منظومة الاقتصاد العالمي لم يكن من الممكن أن تستمر بلا نهاية أو توقف. ذلك أنه في مقابل العوامل السابقة التي عضدت من هذا الازدهار، على الصعيدين العالمي والمحلي، كانت المنظومة تنطوي على مجموعة أخرى من العوامل المضادة التي تغيرت وتشكلت ونمت أهمها:

1- تنامي وصعود اقتصادات دول عديدة منافسة للسيطرة والاستحواذ الإنتاجي والمعرفي الأمريكي ليصبح حجم الاقتصاد الأمريكي 25% من حجم الاقتصاد العالمي بحلول العام 2016 مقارنة بنصف حجم الاقتصاد العالمي في عام 1945، مما ترتب عنه إنشاء مجموعة العشرين الاقتصادية التي شكل الناتج المحلي الإجمالي لبقية أعضائها ضعفي حجم الاقتصاد الامريكي في عام 2016 في ظل تفاقم أزمة الاقتصاد الأمريكي المثقل بأعباء ديون تفوق الـ14 تريليون دولار. وقد شكلت هذه المتغيرات الاقتصادية والمالية انتقالا من الهيمنة الأمريكية التاريخية المطلقة على القرارات الاقتصادية والمالية الدولية إلى مفهوم فرض المشاركة الدولية والتنسيق في توجهات الاقتصاد العالمي. هذه المشاركة في صنع واتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية الدولية وتنامي حجم اقتصادات إسلامية رئيسية (تركيا، إندونيسيا، والسعودية) لم توافق مزاج القوى السياسية الأمريكية المتطرفة، فعملت على خلق التوترات والعراقيل، واستخدمت قواها العسكرية في شتى بقاع العالم حتى لم تراع حلفاءها أو أصدقاءها التقليديين، وأصبحت تضع العراقيل والخطط العدائية لتقييد وتكبيل انطلاقاتهم الاقتصادية والتنموية وفي إطار التحكم والهيمنة على ثروات العالم عبر إشاعة البلبلة والفوضى ممثلة أخيرا بقانون ««جاستا»»، والذي سيؤدي لتأجيج الصراعات ولانكماش حركة التجارة والضمانات الاستثمارية الدولية وإلى الركود أو ربما لكساد الاقتصاد العالمي.

هذه الرسالة الاقتصادية على المملكة العربية السعودية وكل الدول المعنية إثارتها في كافة المحافل الاقتصادية ووسائل الإعلام الموضحة لأضرار قانون «جاستا» الضارة على حركة التجارة وضمانات الاستثمارات الدولية ونمو الاقتصاد العالمي.

2- انتهاء عصر الرخص الشديد لموارد الطاقة والمواد الأولية الذي قادته المملكة العربية السعودية لسنوات عديدة، بدءاً من إنشاء منظمة الدول المصدرة للبترول عام 1960 وكللت نتائجه مع مطلع السبعينات من القرن العشرين في تصحيح أسعار البترول حتى أصبح استغلال المواد الأولية وعلى رأسها البترول هو لصالح تنمية وتطوير شعوب الدول المصدرة للبترول، وتم طي حقبة الاستعمار الاقتصادي للبلدان المستضعفة. هذه الثورة في قلب موازين القوى الاقتصادية والمالية خلقت صراعاً مازال قائماً إلى وقتنا الحاضر بين الدول المستهلكة الغربية والمستوردة للبترول والدول النامية المصدرة للبترول، فالأولى تعمل جاهدة في خفض أسعار البترول إلى أدنى مستوى وتدوير أقل كمية من الأموال إلى اقتصادات الدول المصدرة للبترول عبر وسائل عديدة من ترشيد استهلاكها وتصدير السلع الاستهلاكية والأسلحة وتأجيج النزاعات في مناطق البترول الرئيسية، منعاً لتطوير اقتصادات الدول المصدرة للبترول، ولتتمكن من الحصول على النفط الرخيص لأطول مدة. ويمثل الإعلان عن خطة التحول 2020 والرؤية 2030 تحدياً للقوى الغربية؛ لأنها نقطة تحول إستراتيجية سعودية بالانتقال من الاعتماد شبه الكامل على إيرادات صادرات الزيت الخام من خلال خطط متنوعة مؤدية إلى تنويع القاعدة الاقتصادية والانتقال من اقتصاد استهلاكي مطلق إلى مجتمع إنتاجي، ورغم صعوبة التحدي إلا أن القيادة رسمت نهجا تنمويا جديدا قائما على قوى وقطاع من الشباب والشابات أكثر تعليما وإدراكا لمتغيرات العصر. فهل قانون «جاستا» كابح لانطلاقة الرؤية السعودية 2030؟

ثانيا: البترول السعودي «أمطري

حيث شئت فإن خراجك لي»

أنعم الله على المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين بأكبر حجم من احتياطات البترول العالمية ذات التكلفة الإنتاجية المنخفضة والكثافات المتنوعة من أنواع الزيت الخام وطاقة إنتاجية قائمة وفائضة، مما أكسبها موقعاً قيادياً في ترجيح كفة ميزان أسعار البترول العالمية لصالح المملكة وحفاظاً على النمو الاقتصادي العالمي المعنية باستدامته ضمن مجموعة العشرين وفي اجتماعات منظمة الأوبك. وقد تتدهور أسعار البترول كما حصل أخيرا أو ترتفع حسب السنوات الماضية تبقى حقيقة أساسية ماثلة: أن احتياطات البترول السعودية وطاقتها الإنتاجية الكامنة هي محور طاقة ولقيم صناعي اقتصادي عالمي أساسي هو في سلم أولويات حسابات كل المخططين الإستراتيجيين وبيوت الاستشارات الدولية في تحقيق أمن الدول المستوردة للطاقة وتنميتها المستدامة.

ولذلك أقول لكل مواطن: إن البترول السعودي ينطبق عليه مقولة هارون الرشيد «أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك»، ودورة ارتفاع أسعاره ستعود وبقوة بمشيئة الله لسبب بسيط أن استهلاك العالم من البترول يتصاعد بوتيرة عالية وصل في المتوسط لعام 2016 إلى 94.3 مليون برميل في اليوم وسوف يتنامى استهلاكه إلى 95.4 مليون برميل في اليوم لعام 2017 لتلبية حاجات التنمية الدولية رغم الزيادات في الإمدادات البترولية التي يواكبها انكماش في استنزاف معدلات إنتاج حقول البترول العالمية العملاقة، وهي مؤشرات إلى اتجاه تصحيح أسعار البترول إلى الأعلى بعد فترة الانخفاض الشديد لمتوسط أسعار سلة زيوت الأوبك البالغة 49.5 دولار للبرميل لعام 2015 وإلى متوسط سعر لزيوت الأوبك 38.8 دولار للبرميل للفترة يناير- أكتوبر 2016. وتعد مرحلة إعادة توازن العرض والطلب من البترول العالمي التي أتبعتها المملكة العربية السعودية خلال العامين 2015-2016 مرحلة لعلاج اختلالات السوق البترولية، ومن ثم الانطلاق لتدرج ارتفاع أسعار البترول لمقابلة الطلب العالمي المتنامي في السنوات القادمة بالتنسيق بين المصدرين والمستهلكين الرئيسيين في العالم لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار في أسواق الطاقة.

ويعلم المخططون الأمريكيون والغربيون وفي الشرق الأقصى أن عودة زيادة الاعتماد على البترول العربي مسألة وقت. من هنا يمكن فهم بعد الصراع الدائر في مناطق النفوذ بالمنطقة العربية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فالاكتشافات البترولية الحديثة والمكامن غير المستغلة تلعب دوراً في حروب المنطقة خاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط مع اكتشافات الغاز والبترول الوفيرة. أما القوى الكامنة لثقل حجم البترول السعودي وانعكاسها في موازين الطاقة وقوى الاقتصاد العالمي تنبع من ثلاثة عوامل أساسية، الأولى الطاقة الإنتاجية القائمة والفائضة، وهي ما يمكن المملكة من ضبط إيقاع حركة أسعار البترول، والثاني حجم الاحتياطات البترولية الضخمة وتنوعها وهو ما يجعل سياستها البترولية طويلة المدى، بينما العامل الثالث وهو تعاملها بالدولار الأمريكي في بيع نفطها وربط سعر صرف الريال بالدولار وجعل الولايات المتحدة الأمريكية الشريك التجاري الأول عالميا في السوق السعودية، ومما لاشك فيه أن البعد الثالث يؤكد على العلاقة التاريخية الوثيقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية التي أرساها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- والرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945، وهو عامل يصب من الناحية المالية في دعم الدولار والاقتصاد الأمريكي. ويعتبر العامل الثالث ورقة تفاوض وتفاهم بين الجانبين السعودي والأمريكي لإبطال قانون «جاستا» أو انفصال عرى المكاسب المتعددة لصالح الطرف الأمريكي دون مراعاة للصديق السعودي.

ثالثا: تصاعد قوة

السعودية وخطط احتوائها

خطت المملكة العربية السعودية خطوات تنموية في عدة مجالات اقتصادية وبشرية حتى تبوأت المركز العشرين في حجم اقتصادها على المستوى العالمي والذي مكنها من الانضمام لمجموعة العشرين الاقتصادية ولمكانة البلاد كأرض الحرمين الشريفين وما تمتلكه من ثروات نفطية ومعدنية وتراكم فوائضها المالية وموقعها الإستراتيجي وتنامي إمكاناتها العسكرية وتطور كوادرها البشرية في الفترة القريبة واستقلالية قرارها السياسي في كثير من المواقف، كل ذلك أزعج القوى التقليدية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فرسمت الخطط لاحتواء تصاعد حجم القوة السعودية الناشئة وكبح استقلالية قرارها بأشغالها في قضايا المحاكم الأمريكية المحلية من خلال قانون «جاستا» واستنزاف أرصدة أموالها وأصولها لإعاقة حركة اقتصادها وتنميتها.

وفي أولى رسائل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي من تبعات قانون «جاستا» والأثمان الباهظة التي سيكبدها الدولار والاقتصاد الأمريكي التوجه نحو التبادل التجاري في مبيعات البترول بالإيوان الصيني والريال السعودي والدرهم الإماراتي.

هذه الرسالة التجارية المالية لها أبعاد وتغيير في موازين القوى الاقتصادية العالمية ويدرك أصحاب المعرفة الاقتصادية والسياسيين المخضرمين الأمريكيين آثارها خاصة إن توسعت المعاملات التجارية الدولية بالعملات الرئيسية الأخرى في خضم أكبر مديونية أمريكية. فالقرار الاقتصادي الدولي بدأ يتحول إلى الاقتصادات الرئيسية العالمية الأخرى. لذلك يتوقع تصاعد المطالبات في إبطال قانون «جاستا» حماية للاقتصاد الأمريكي وموقعه على الساحة الدولية.

رابعا: ترميم العلاقات السعودية - الأمريكية والانفتاح على كل دول العالم

العلاقات السعودية - الأمريكية قديمة وراسخة منذ ارتباط مصالح البلدين وإبرام الاتفاق بين المؤسس للدولة السعودية والرئيس الأمريكي روزفلت في عام 1945 راعى فيها كل من الطرفين المصالح المشتركة حتى وإن اختلفت الرؤى حول بعض المسائل الجوهرية. استفادت المملكة في تنميتها وأمنها لفترة طويلة، بينما الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت من دعم اقتصادها عبر تدوير الأموال لاقتصادها واستخدام الدولار كعملة لتبادل مبيعات البترول وتفضيل شراء السلع والمنتجات الأمريكية في المشاريع والسوق السعودية مع معاداة المملكة لتمدد الفكر الشيوعي الذي ساهم في ترجيح كفة الولايات المتحدة الأمريكية على خصمها الاتحاد السوفيتي. بدأ توتر العلاقات عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة تفكيك المنطقة العربية لتقسيم ثرواتها الطبيعية وخلق كيانات طائفية هزيلة ومتناحرة، وطبعا إن لم تقتنع الولايات المتحدة الأمريكية بأضرار هذه السياسة عليها اقتصاديا وسياسيا لا يتصور إجراء أي تعديلات على سلوكها. ولذلك من الأهمية التواصل الدائم مع الجانب الأمريكي ومطالبته بعدم الدفع نحو الصدام الاقتصادي والسياسي، بل العمل سوياً في مجالات التعاون بالحفاظ على العلاقات التاريخية وتقويتها.

خامسا: تطوير

خطاب الإعلام السعودي

أحد الإخفاقات الرئيسية في إيصال الخطاب الإعلامي السعودي الإيجابي الموجه إلى العالم الخارجي يكمن في الفكر الإعلامي السائد في مخاطبة وصياغة التقبل الإعلامي العالمي حسب المفهوم المحلي، فأمور مثل المدح والإطراء للإنجازات قد تكون مقبولة محلياً، ولكن لا يبالي بها المشاهد الأجنبي، بل هي سلبية من وجهة نظره، بينما الرسائل الإعلامية كما يصورها التلفزيون الألماني والروسي وأخيرا التركي في استعراض البعد الإنساني من الثقافات والحضارات والفنون والصناعات المحلية التقليدية تشد انتباه المشاهدين، خاصة إن كانت مقدمة بلغة ونطق سليمين وتتضمنها حوارات متوازنة تعكس رقي المجتمع وقبوله للآراء المختلفة، بينما لا توجد لدى المملكة سوى القناة الثانية الناطقة بالإنجليزية تقدم معظمها بلكنة سعودية وفكر محلي وإنجليزية ركيكة، وبالتالي هناك ضرورة لمراجعة علمية ومنهجية دقيقة للخطاب الإعلامي السعودي الموجه للخارج والذي يتطلب انتقاء شباب وشابات لديهم الكفاءات الإعلامية والمهارات اللغوية بابتعاثهم وتدريبهم لإيصال واقع المملكة بطريقة مهنية ومحببة لقلوب المشاهدين. أما المسألة الأخرى بالغة الأهمية هو خلق مراكز صداقة (أو تجمعات ضغط) لصيانة مصالح المملكة في الدول الرئيسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مكونة من السعوديين مزدوجي الجنسية، والأمريكيين محبي المملكة خاصة الفئات التي عاشت وبعضها نشأ في المملكة ليكونوا همزة وصل مع المجتمعات في كل الولايات الأمريكية، وآخرين يتابعون ويتواصلون مع رجالات مجلس الشيوخ والكونغرس.

سادسا: الداخل السعودي.. دور المواطن ومجلس الشورى

إن أحد أهداف قانون «جاستا» طويلة المدى هي جس نبض الشارع السعودي وردة فعله، فكلما استكان المواطنون ومجلس الشورى لقرارات المحاكم الأمريكية على المصالح السعودية والأفراد السعوديين تصاعدت حدة المطالبات والعكس كذلك إذا تحرك المواطن السعودي وتبعهم المواطنون في مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مقاطعة البضائع الأمريكية ستصل رسائل قوية للشركات والصناعات الأمريكية وستتحرك كل القوى الاقتصادية في أروقة مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي وفي شتى الولايات الأمريكية خاصة في ولاية تكساس، مطالبين بإبطال قانون «جاستا». أما مجلس الشورى فواجبه إعداد قانون يقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، مثل «قانون حماية المال العام» من الابتزاز والمصادرة، فالمواطن ومجلس الشورى سيكون لهما دور مساند مهم في محاربة قانون «جاستا» ونهب المال العام.

وختاماً في حالة فشل التنسيق مع الإدارة الأمريكية القادمة وتمسك الأمريكيين بقانون «جاستا» واستمرارهم في إشغال المملكة في القضايا المرفوعة بالمحاكم الأمريكية.. على الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة السياسات الدولية والتبعات المحلية المضادة في خطة عمل قوامها:

1- التواصل الدائم والمكثف مع الجانب الأمريكي ومطالبته في عدم الدفع نحو الصدام الاقتصادي والسياسي، بل العمل سوياً في مجالات التعاون للحفاظ على العلاقات التاريخية والرغبة في تقويتها على المستويين الحكومي والشعبي.

2- العمل على إدانة قانون «جاستا» لتعارضه مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتنسيق والتعاون بين الدول الأعضاء بالمنظمة لمقابلة التسلط الأمريكي في خطف استقلالية القانون الدولي.

3- على المملكة العربية السعودية وكل الدول المعنية إيصال رسالة في كافة المحافل الاقتصادية ووسائل الإعلام الموضحة لأضرار قانون «جاستا» الجسيمة في انكماش حركة التجارة والضمانات الاستثمارية الدولية والمؤدية إلى الركود أو ربما لكساد الاقتصاد العالمي، وتأجيج التوترات والاضطراب الاجتماعي في كافة دول العالم.

4- إن استقرار أسواق الطاقة مرهونة إلى حد كبير بسياسات المملكة العربية السعودية المعتدلة، وتعد مرحلة إعادة توازن العرض والطلب من البترول العالمي التي اتبعتها المملكة العربية السعودية خلال العامين 2015-2016 مرحلة إلى الانطلاق في تدرج ارتفاع أسعار البترول لمقابلة الطلب العالمي المتنامي في السنوات القادمة بالتنسيق بين المصدرين والمستهلكين الرئيسيين في العالم لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار في أسواق الطاقة ولصالح رؤية المملكة 2030.

5- توسع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي العربي في التعاملات والتبادل التجاري من البترول ومنتجاته وصادراتها ووارداتها بالعملات الرئيسية الدولية.

6- إن نهج السياسة الأمريكية والغربية في تفكيك خريطة المنطقة العربية وتقسيم ثرواتها الطبيعية لخلق كيانات طائفية هزيلة ومتناحرة سوف يرتد سلبا على المصالح الأمريكية وستخسر تقدير واحترام شعوب المنطقة وتثير الأحقاد وتفاقم الإرهاب والعداوات.

7- تطوير خطاب الإعلام السعودي المحلي والدولي، فهناك ضرورة لمراجعة علمية ومنهجية دقيقة للخطاب الإعلامي السعودي الموجه للخارج.

8- خلق مراكز صداقة (أو تجمعات ضغط) فاعلة لصيانة مصالح المملكة في الدول الرئيسية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

9- حجم تحرك المواطنين السعوديين وإن تبعتهم شعوب مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مقاطعة البضائع الأمريكية رسالة بالغة الأهمية لأصحاب الأعمال الأمريكيين ومجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي في تعديل لا يتعارض مع القانون الدولي أو إبطال قانون «جاستا».

10- إصدار مجلس الشورى السعودي قانونا قائما على مبدأ المعاملة بالمثل لقانون «جاستا» لأجل «حماية المال العام» من الابتزاز والمصادرة، والتنسيق مع البرلمانات العالمية في إدانة قانون «جاستا» والعمل المشترك في تطبيق القانون الدولي وتحقيق مبدأ المساواة بين الدول.

ومن خلال خطة العمل المرسومة أعلاه وتعدد جوانبها ستدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن الحوار البناء بين الطرفين والاحترام المتبادل في العلاقات يصب في صالحها، بينما سلوكها المتعالي والعدواني المبوب في قانون «جاستا» لتكبيل القراروحركة تطوير وتنمية الاقتصاد السعودي سيواجه بالمقاومة الشديدة محليا وعالميا.