-A +A
عزيزة المانع
تصريح وزير الخدمة المدنية الذي حصر فيه إنتاجية موظفي الدولة بساعة واحدة في اليوم وعد خمولهم أحد الأسباب المسهمة في إفلاس الدولة، تسبب في إثارة امتعاض كثير من الناس، فتداعت تعليقاتهم الساخرة المفندة لما قال. وحق للناس أن يستاءوا وحق لهم أن يسخروا، فأن يقال إنهم لا يعملون سوى ساعة واحدة في اليوم، بينما هم يقضون في أعمالهم زمنا يتراوح بين ست إلى ثماني ساعات يوميا، هو أمر مجافٍ للصواب.

بصرف النظر عن تصريح الوزير ومدى دقته، الوزير تحدث عن إنتاجية موظفي الدولة، لكنه لم يحدثنا عن إنتاجية بقية الناس؟ حساب الإنتاجية بشكل صحيح لا يقاس بساعات عمل الموظفين في الدولة وحدهم، وإنما يقاس بإنتاجية الفرد في المجتمع والقيمة الاقتصادية التي تُجنى من كل ساعة يقضيها في العمل، حساب الإنتاجية يتطلب أن تكون هناك إحصائية موثوقة لساعات العمل التي يقوم بها جميع أفراد المجتمع، كما تقتضي مقارنة عدد المنتجين مع غير المنتجين لأن كل فرد في المجتمع لا يعمل، يعد مستهلكا لا يقدم شيئا مقابل ما يستهلكه.


وبناء على هذا، تُرى كم يبلغ متوسط إنتاجية الفرد في بلادنا إذا عددنا الذين لا يعملون من الأطفال والمسنين والشباب العاطلين عن العمل من الجنسين والمرضى المزمنين والمعاقين وأمثالهم؟

قرأت يوم أمس دراسة مقارنة حول ساعات العمل التي يقوم بها الفرد في أوروبا وأمريكا، شارك فيها عدد من الباحثين الاقتصاديين في ثلاث جامعات: أمريكية وكندية وألمانية، وذكرت الدراسة أن الأمريكيين يزيد متوسط ساعات عملهم على الأوروبيين بأكثر من (258) ساعة سنويا، وأن متوسط ساعات عمل الأمريكيين في الأسبوع يبلغ (26.1) بينما الأوربيون يقلون عنهم بفارق أقل من ساعة في الأسبوع.

المقارنة هنا لم تقتصر على (موظفي الدولة) ولا على من هم على رأس العمل، وإنما شملت جميع السكان، كما شملت مرحلة التقاعد وأيام الإجازات والعطل وغيرها من الأيام التي تقضى بعيدا عن العمل.

ما يلفت النظر في هذه الدراسة أنها لم تلق اللوم على المواطن الأوروبي فتتهمه بالخمول والكسل مقارنة بالأمريكي، وإنما مضت إلى تحليل العوامل التي جعلت الفرد الأمريكي يعمل ساعات أطول من الأوروبي، فذكرت أن من أسباب ذلك كون الأمريكي أكثر حاجة إلى كسب المال من الأوروبي، فالأمريكي يضطر أحيانا إلى العمل بعد التقاعد لضآلة الراتب التقاعدي الذي يحصل عليه، كما أن كثيرا من المسنين يؤخرون تقاعدهم ويستمرون في العمل للحصول على المال، وأيضا يفضل الأمريكي التقليل من الحصول على الإجازات للانتفاع من دخل العمل أثناء الإجازة. أما الأوروبي فإنه ينعم بميزات لا يجد مثلها الأمريكي تجعله في غير حاجة إلى إطالة مدة العمل، كحصوله على راتب تقاعد مجزٍ، ووجود أنظمة جيدة للعمل، والمساندة الإيجابية لاتحادات العمال. وقد عدت الدراسة هذه المزايا عوامل مهمة في إحداث الفرق في ساعات العمل بين الأمريكي والأوروبي.