-A +A
أحلام محمد علاقي
عادت إحدى قريباتي التي قضت سنوات طويلة خارج البلاد مع أطفالها لينخرطوا في سلك التعليم، واختارت لهم مدارس خاصة بعناية بعد تدقيق وتمحيص. رأيتهم فوجدتهم أطفالا مبتسمين رشيقي البنية واثقين من أنفسهم.

مرت عدة أشهر قابلتهم بعدها. سلمت على الأم وابتسمت للولد الذي معها. ظننت أنه قريبها. وصعقت حينما قالت لي هذا ابني الذي رأيتيه؟ ألم تعرفيه؟ اعتذرت وأنا مصدومة. فعلا لم أعرفه بتاتا. أصبح الولد مكتئبا وسمينا! حينما ذهب الولد بعيدا أمسكتني الأم وقالت لي: «أرأيتِ كيف أصبح الولد؟ قلبي مفطور عليه. لا تهتم مدرسته بالرياضة أبدا. درس الرياضة يلغى ليحل محله درس العلوم مثلا. ولا تؤخذ الرياضة مأخذ الجد أبدا. فلا حماس ولا مسابقات ولا تحديات ولا بطولات ولا شهادات. وصل ابني للحزام البني في الكاراتيه قبل عودتنا. والآن مدرسته لا توفر تمارين للكاراتيه. ولا أي تمارين جادة وصارمة. ودوامه الطويل جدا لا يسمح له بأخذ أي دروس خارجية. فهو يعود أيضا ليكتب الواجبات! فيقضي حوالي ٧ ساعات نهارا بالمدرسة جالسا على الطاولة ويقضي حوالي ساعتين إلى ثلاث لعمل الواجبات بالبيت. عشر ساعات من يومه يقضيها جالسا للدراسة! فمتى يمكن أن أدخل له عنصر الرياضة المهم جدا؟ وأين دور المدرسة؟ وقد حاولت أن أسجله في دورات خارجية بمعاهد رياضية مما أخل بنظام البيت وأرهق السائق فلم أستطع الاستمرار. فبين واجباته التي أهملت وملاحظات المعلمين الغاضبة وبين مأساة المواصلات لاختلاف مواعيد التمارين بينه وبين إخوته ووجوب خروجي من دوامي الطويل لأرافق هذا وأشرف على ذاك لم يعد خيار الرياضة خارج المدرسة ممكنا. فأين دور المدرسة؟ وهل من المعقول أن يقضي الطفل نهارا كاملا لا يتحرك فيه إلا ربما ربع ساعة وهي مخصصة لنيل الطعام أصلا؟ والنتيجة طبعا يكون الطفل جائعا فيأكل ويجبر على الجلوس وقتا طويلا قبلها وبعدها فلا يحرق السعرات الحرارية وتتراكم الشحوم وتتكون الكرش التي رأيتيها بأم عينك».


فعلا أين الرياضة بمدارسنا؟ وأتحدث عن الرياضة الجادة، ليست بالضرورة رياضة البطولات أو الأولمبياد مع أننا نتمنى ذلك طبعا، وإنما أقل الأمور أن تكون فترة الرياضة معقولة ومحترمة من قبل إدارة التعليم وكافية لتوفر متنفسا لطاقات الطلاب الذين لا نفتأ أن نسمع معاناة جزء لا يستهان بهم من فرط الحركة وتشتت الانتباه وغيرها من الظواهر التي أثبت علميا وإكلينيكيا أن الرياضة تساعدها للغاية.

ولا نحتاج للدراسات العلمية أو غيرها لنعرف أهمية الرياضة في إنشاء أجيال صحيحة البدن والعقل. فديننا الإسلامي علمنا إياها حينما وصى بتعليم الأبناء السباحة والرماية والفروسية. فهل تعرفون مدارس حولكم توفر مسابح مناسبة أو مساحات للرماية؟ ومتى آخر مرة رأى فيها أطفالنا الخيول؟ والقهر الأعظم أننا نتحدث عن مدارس خاصة! وخاصة لدينا = مبالغ باهظة يدفعها الوالدان ويحرمان أنفسهما من متع دنيوية كبيرة لأجلها. يا ترى كم من موهوب في الرياضة لدينا دفنت قدراته بين صفحات دفتر الواجبات، وكم من راغب بتطوير إمكانياته الرياضية أجبر على دفن حلمه بالتميز.

تتنافس الجامعات العالمية في استقطاب المواهب الرياضية لترفع اسمها عاليا في البطولات وتقدم للموهوبين بالرياضة بعثات ومخصصات، بينما نحن نلغي درس الرياضة ونستبدله بدروس نظرية تزيد من ملل الطلاب وحقدهم على المدرسة.

كم أحزن على أطفالنا من أمثال ذلك الصبي، وأتساءل فعلا أين ذهبت الرياضة في مدارسنا؟ أخرجت بلا عودة؟ أتمنى أن تكون خرجت بفيزا خروج وعودة وليست بفيزا خروج نهائي!