-A +A
السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر
في محاولة لتصحيح صورتها البشعة، تداعت الولايات المتحدة والاتحاد الروسي لعقد الاجتماعات تلو الاجتماعات حول الأزمة السورية، لربما بسبب استمرارها وقتاً أطول من اللازم! أو بسبب الأوضاع الإنسانية التي وصلت إلى درجة متردية جدا أو ربما أيضا بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وما يمكن أن تسببه من أحداث عنف داخلية قد تعصف بالنظام الايراني -الذي أصبح عمود الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط- لحمايته من الانهيار بسبب أوضاعه الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة فيه إلى معدلات قياسية.

إلا أن الحل سيبقى بعيد المنال خصوصاً بعد تصور موسكو بأن دك حلب بغاراتها الجوية سوف يُنهي الأزمة ويحقق النصر المنتظر، وتصريحات وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) بأنه لا يعقد آمالاً على نتائج اجتماع لوزان أو غيره وأن بلاده ليس لديها أي جديد تقدمه لحل الصراع في سوريا، وذلك قبل انعقاد الاجتماع يوم السبت الماضي (15 أكتوبر 2016م) الذي تمَّ بحضور وزراء خارجية (روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة العربية السعودية، إيران، العراق، تركيا، قطر، الأردن، مصر)، ولا تختلف وجهة نظر المعارضة السورية عمَّا أعلنه وزير الخارجية الروسي، وهي التي تكرر مراراً بأن كل اجتماع يُعقد لبحث الأزمة السورية هو المحاولة الأخيرة للتوصل إلى حلها، ما يعني أن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود.


وبشأن ذلك الاجتماع، فإن إيران تردَّدت كثيراً في المشاركة فيه بسبب اختلاف آراء القوى السياسية الإيرانية؛ ففي حين دَفَع (الحرس الثوري) نحو مقاطعة الاجتماع، دَعَت (وزارة الخارجية) لحضوره؛ خاصة بعد أن دُعيت إليه أطراف إقليمية جديدة كمصر والعراق إلى جانب المملكة العربية السعودية؛ ويرجع ذلك التردّد لعدم استعداد إيران وعدم رغبتها في التوصل إلى حل للأزمة السورية كونها ورقة رابحة ومهمة تستخدمها في الاتفاق النووي الذي اندفعت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بعد توقيعه مباشرة في (يوليو 2015م) لمَد جسور التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري والدبلوماسي مع إيران، غير آبهة من مخاطر الاندفاع غير المدروس وما قد يسببه من انعكاسات سلبية على علاقاتها بدول مجلس التعاون التي تعتبر الحليف التاريخي في منطقة الخليج العربي.

وما ميَّز اجتماع لوزان الأخير أنه عُقد بمشاركة الأطراف الإقليمية المؤثرة على القضية السورية، مثل (السعودية وقطر وتركيا ومصر والأردن وإيران والعراق)، بعدما كان يُعقد في أوقات سابقة بين الأمريكان والروس فقط، ويأتي فتح الباب أمام مشاركة دول المنطقة للأسباب الآتية:

• إعادة عجلة الاجتماعات (الأمريكية الروسية) بعد أن أعلنت الولايات المتحدة وقفها بسبب عدم التزام روسيا -كما يدَّعي البيت الأبيض- باتفاق وقف القصف على حلب وتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية.

• تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية لحلفائها في المنطقة بالتزامها بالتنسيق مع روسيا لإنهاء الصراع في سوريا رغم انشغالها بالانتخابات الرئاسية.

• اقتناع القوتين العظميين بضرورة مراعاة مصالح الأطراف الإقليمية في أي تسوية لحل الأزمة السورية؛ خاصة بعد أن رفع الأمريكان والمعارضة الحظر عن مشاركة بشار الأسد في عملية التسوية السياسية، وهو موقف روسي ثابت لم يتزحزح منذ بدء الأزمة.

• يأس الأطراف الإقليمية من تحقيق أي انتصار عسكري أو سياسي، وإدراكها ضرورة التوصل إلى حل للأزمة التي استنفدت منها أموالاً طائلة أدت إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية وترديها في ظل ما يواجهه الاقتصاد العالمي من كساد وتدهور بسبب انخفاض أسعار النفط الذي يعتبر عَصب اقتصاد الأطراف المتصارعة على الساحة السورية.

إن حل الأزمة في سوريا وإنهاء الصراع المحتدم على أراضيها الذي يدفع ثمنه الأبرياء من الشعب، يعتمد أساساً على الآتي:

• تطبيق القرارات الدولية التي أقرَّها المجتمع الدولي، والتي أرى في عملية تنفيذها تعقيدا شديدا بسبب الربط بينها وبين إرهاب (جبهة فتح الشام وتنظيم داعش وجبهة النصرة) وغيرها من المنظمات الإرهابية وما تم الاتفاق عليه بين الأمريكان والروس لمحاربتهم.

• إخلاء مدينة حلب من قوات (جبهة فتح الشام) كما طلب ذلك مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا كمرحلة أولى لضمان تسهيل عملية إدخال المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين.

• الاتفاق على الحد الأدنى للحل السياسي بين جميع الأطراف الدولية والإقليمية والمعارضة الوطنية السورية، خاصة بعد اقتناع كافة الأطراف بأن بشار الأسد باقٍ كجزء من الحل إلى فترة انتقالية يتم الاتفاق عليها.

• ضرورة فك الربط بين الأزمة السورية وأزمة أوكرانيا التي يرى الروس أن التغلغل الأمريكي والأوروبي فيها يهدد أمنهم القومي وهو أمر فرَض التدخل الروسي المباشر في سوريا.