-A +A
طارق فدعق
المقصود بهذا المصطلح القديم هو «الخلطة»، وتكون عادة بالاجتهاد من هنا وهناك إلى أن ينضبط المنتج بشكل أو آخر. وجاء على بالي هذا الموضوع عندما كنت جالسا على بعد نحو ثلاثة أمتار فقط من أقوى محرك نفاث في العالم على متن طائرة من طراز بوينج 777. بين جدة والرياض كان المحرك يولد قوة تعادل نحو محركات تسع مائة سيارة «كامري» وكان يحرق نحو 50 كيلو جراما من الوقود في الدقيقة الواحدة على درجة حرارة تصل إلى نحو ألفين ومائة درجة مئوية... ولنتوقف لحظة للتأمل في أن درجة حرارة داخل الفرن في مطبخك تصل إلى نحو ثلاث مائة درجة مئوية فقط... أي أن الفرن يعتبر كأنه «فريزر» بالنسبة لداخل محرك البوينج. تأمل في الوعاء الذي يستطيع تحمل هذه الحرارة الشديدة. ومن شبه المستحيلات أن تجد أن معدنا واحدا قادر على تحمل هذه الحرارة الشديدة، فالغالب أن خلطة عناصر توفر بمشيئة الله خصائص تحمل البيئة الحرارية المتقلبة. تخيل أن على أرض المطار كانت درجة الحرارة نحو 30 درجة وخلال دقائق من إقلاعنا وصلت درجة الحرارة الخارجية إلى نحو 40 تحت الصفر. والمحرك لا يهمه كل هذا فيحرق وينفث بفاعلية عالية. ويحافظ على قوته وتماسكه ولا مخاطر من أن يصبح هشا بعد التعرض لهذا الهبوط المخيف السريع في بيئته الحرارية. ولو نظرت إلى نشأة التحبيشات في المعادن ستجد أنها قديمة جدا فكانت هناك حقبة تاريخية أساسية في مسيرة حضارات العالم اسمها العصر البرونزي وقد غيرت معالم العالم البشرية من خلال تقنيات جديدة في البناء، والتسليح، والطبخ، والنقل... والفلوس في شكل التفاريق. كان هذا العصر من أكثر من أربعة آلاف سنة، وللعلم فالبرونز هو عبارة عن تحبيشة مكونة من 90% نحاس و 10% قصدير، والناتج يتفوق على كلا المعدنين في قوته وتحمله بل وحتى في جماله الذهبي الداكن اللامع.

يقال إن القرن الـ19 كان زمن الحديد الصلب. وهو أقوى من الحديد النقي بكثير بسبب معالجته بإضافة «رشة» كربون. وتحديدا فنسبة نحو 2% فقط من الكربون في التحبيشة مع الحديد تولد الحديد الصلب الخارق الذي غير العالم من كبار، ومصانع، ومبان، وسيارات وغيرها من المنتجات التي نراها كل يوم ولا نعطيها حقها من التأمل. ويصنف بعض المؤرخين القرن الـ20 أنه قرن الألمونيوم لأنه هيمن على صناعة هياكل الطائرات. ومن الناحية الفنية فهذه المقولة غير دقيقة، وذلك لأن الألمونيوم لا يستخدم في صناعة الطائرات بمفرده فهو من مكونات تحبيشات عديدة تدخل فيها معادن عجيبة مثل الكوبالت، والنيكل، والكروم، والتايتنيوم. ويمنحها الله عز وجل خصائص قوة وليونة، أي قدرات على التمدد بدون أن تنكسر. والتحبيشات في المعادن قادمة، فما نراه اليوم لا يقارن بما سيقدم العلم الحديث خلال السنوات القادمة من تقنيات مواد رائعة بإرادة الله عز وجل.


أمنيـــــة

بالرغم من الغرائب المذكورة أعلاه، فأغرب التحبيشات هي تلك التي تجدها في عالم السياسة فتطل علينا بتجارب لمحاولات لتقليص التهديدات لأوطاننا.. وهي غير مقبولة. وتحبيشات لتهويد القدس.. وهي غير قابلة للتفاوض. وأخرى للاستمرار في قتل الأبرياء في سورية الشقيقة.. وهي غير قابلة للنقاش. وغيرها من التحبيشات العجيبة. أتمنى أن يقينا الله عز وجل شرورها ومهازلها.

وهو من وراء القصد.