-A +A
علي بن محمد الرباعي
بدأ العام الدراسي. في منزل حجري الجدران. عرعري السقف. جريدي الفواصل. سيدة المنزل تعجن خبزتها بالقرب من الطلاب والمعلمين. وتشعل نارها فتتسرب الداخنة إلى أنوف الصبية فيطربون لها وكأنما هي عبق الريحان. في الفناء حمير المعلمين. وكان رب البيت حريصاً على حمارته فيربطها داخل البيت. في الشقيق بقرة. وسيدة عجوز تتنخش المشاكل.
اصطف الطلاب في الحوش وبدأت تمارين الصباح. معلم الرياضة من الظفير يصيح في الطلبة ارفعوا أيديكم. حرّكوا أصابعكم (فتح قبض) والعجوز قاعدة تتشرق فوق الدرجة. ظنت أن حركة الأصابع شتيمة لها، ردّت (والله يا القمل إنه فيكم. وأني أنظف منكم يا القملين).

ضجت الفصول بأصوات الطلاب درس درس. زرع زرع. سرح سرح. أحد الطلاب سأل المدرّس: إلى متى يا استاد وانحن درس زرع؟ لطمه كف على وجهه. وعلّق: لين تنجح يا البليد. كان طالب مميز يتساءل: لماذا لم تدرج مفردات «صنع. أبدع. اخترع» ضمن المنهج؟ لا جواب.
الجميع قعود فوق الهدم أو الحنبل. والطلاب لكل المراحل جوار بعضهم. هؤلاء يدرسون حساب. وملاصق لهم فصل يدرس تجويد. والأصوات تتعالى وتتداخل، قرآن على نشيد على مطالعة. أحد المعلمين رسّب طالبا في التوحيد. جاء أبوه إلى المدرسة محتزما بالجنبية. سأل: وين هو مقطوع الصلف إللي سقّط الولد. طلق إذا ما نجح ولده ليجري علما ما جرى. هدأه المدير. وامتص غضبه. بسالفة وقصيدة وفنجال شاهي محبّق. قال الأب: كيف يسقطه في التوحيد؟ والله أنا موحدين من قبل ما ينحفر البحر. وقبل ما نشوف وجهه. وأضاف شنهو التوحيد يا أستاد. ما هوب أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. أجاب المدير صدقت وابشر بالسعد. ينجح وما تروح إلا وخاطرك طيب.
تم نقل المعلم إلى مدرسة قرية لا يحتج الآباء على ترسيب أبنائهم في التوحيد. صاح الطلاب: أستاذ جماح دق الراعد ونخاف المطر يحتجزنا في الوادي.. طلب من الفراش أن يتأكد من حال الطقس، فأقسم أن النهار اختلف وأن السماء مكتظة بالناوي. صاح جماح: روحوا.. فتصايح الطلبة: صرفة صرفة فرحين مستبشرين. علمي وسلامتكم.