-A +A
علي بن محمد الرباعي
تعشى (نعمة الله) عند مضيفه، ومسح كفه في شاربه، وكثّر بالخير وسرى. كانت ليلة دامسة الظلام، الطريق خال من المارة، والمسافة بين السماء والأرض أقرب من حبل الوريد.
وبما أنه أكل لحم ماعز، ولم يغسل يديه بالماء والصابون، نفرت به الجن، ونقلته إلى وادٍ مولٍ يفصل بين قريتين، وعندما اقترب سمع أصواتا مثل أصوات الأوادم، وصفيرا تعالى ثغاء أغنام واردة على الماء.

مدت له كف مشروبا. قال له العفريت: اشرب. فقال: ما أنا بشارب. كرر عليه: اشرب راضي تصبح قاضي، اشرب مجبرا تصبح شاعرا. رفض يشرب. فلزم شدقه ووجره شرابا انتفخ منه بطنه وكلما حاول الفكاك شدّد الجني القبضة عليه.
دخل على والدته يرتجف. بقي ثلاثة أيام لا يجيد إلا الهمس، ضربته الحمى. حاول الأب جاهدا معرفة سبب ما لحق بفلذة كبده سأله: وشبك يا نعمة الله؟ ردّ عليّه يا حبابي. لم يجد بدا من عرضه على الفقيه. حمله فوق الحمارة، صعد به طرقا ملتوية حتى بلغ قمة جبل. الفقيه ما يستقبل نهار الجمعة. انتظروا حتى صبح السبت.
استقبلهم مكشّرا، بدأت كبد الفتى تسوم به من رائحة الإنسان، ووحشة المكان وتثاقل الزمان. طلب الفقيه أن يدخلوه غرفة مظلمة لأنه ممسوس. بدأ يتمتم ويخنقه ويجلده بعصاه. ويردد: أخرجي من قبعته. الجنية ترد: ما يمديني معه كعشة ملبدة كنها سلك مواعين. أخرجي من (....). قالت: هذا مكان آمن للخروج. خرجت وقرر حجبه أربعين يوما في مكان مظلم.
ساءت حالة المسكين. قدِم أخوه من السفر، وأسِف أن يبلغ الجهل بالناس مبلغ الاستهانة بنفحة من روح الله. قال لأبيه وأمه: الله يقول «ولقد كرمنا بني آدم» ويقول «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا». وأنتم تصدقون الخزعبلات، وكشف عن ظهر أخيه المعلّم من عصاة الفقيه. وسألهم «هذا يا خلق يرضي من؟»
أخذ شقيقه إلى طبيب نفسي وتمت معالجته، رجع للقرية بأتم صحة، وذهب لزيارة الفقيه، ترقبه حتى تيقن أنه بمفرده، دخل وفي يده سوط حجازي. أغلق الباب. جَلَدَهُ بطنا وظهرا والفقيه يصيح. زوجته تسأله من وراء حجاب: وشبك يا فقيه؟ فيرد عليها «نعمة الله». قالت: الله يزيدك. علمي وسلامتكم.