-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
خطوة هادفة في الاتجاه الصحيح تلك التي اتخذها مجلس الوزراء بإنشاء «مجلس شؤون الأسرة» الذي يهدف إلى تعزيز مكانة الأسرة ودورها في المجتمع والنهوض بها، والمحافظة على أسرة قوية متماسكة ترعى أبناءها وتلتزم بالقيم الدينية والأخلاقية والمثُل العليا.
التحديات التي يتعرض لها المجتمع كثيرة ومتسارعة، لكنها تبدأ من الأسرة التي تداهمها في هذا العصر مشكلات ومتغيرات تخلخل نسيجها وتضعف دورها، فنكاد نرى اليوم أفراداً داخل أسرة كل يغني فيها على ليلاه من حاجات، وليس خلية أسرية تجمع أفرادها على أهداف واضحة ويتعاونون لتحقيقها.
نحتاج إلى تعزيز مكانة الأسرة كنواة للمجتمع، وباعتبارها الحاضنة الأولى لغرس وممارسة كل قيمة جميلة في الترابط والمودة والرحمة والوعي والإيجابية في الحياة، وتقوية الأواصر بالقدوة الفاعلة داخل الأسرة لتصحيح وتقويم اعوجاجات كثيرة، بعد أن نخرت تقنيات الاتصال والتواصل الحديثة في مفاصلها، فأصبح أفرادها أعداداً لا عُدة.
لننظر إلى إحصاءات الطلاق وأخطار المخدرات والفكر الضال، وكيف تترك الأسرة الحبل على الغارب لأبنائها، وكل هذا يؤثر سلباً في أمن المجتمع. والمتغيرات الاقتصادية هي الأخرى متسارعة، والأجيال أدمنت الاستهلاك وضاعت البوصلة بشأن ما نحتاجه وما لا نحتاجه وما هو ضروري وغير الضروري، بعد أن انحرفت ثقافة الحياة وفهم الأسرة بشكل عام بأن المادة هي كل شيء، فأصبح السياق العام الذي نربي عليه الأبناء هو المادة، حتى مع توفير فرص عمل واسعة، لا ننظر لها إلا من زوايا مادية رغم أهميتها في الاستقرار، لكن قيمة وقيم العمل تكاد تغيب، وأصبح المهم الدخل، لا كيف يؤدى العمل دون جشع يدمر تعاون وتراحم المجتمع في الحقوق والواجبات، وإحياء القيم الواجبة بصدق للعمل وللحياة.. ورحم الله زمن الرضا والأمانة ورسالة الأسرة.
مجلس شؤون الأسرة عليه مسؤولية كبيرة منتظرة، ودور مهم في إعادة إحياء دور الأسرة ووعيها اللازم لمواجهة مشكلاتها وقضاياها، لكن كيف يصل إلى الهدف؟ المجلس الوليد هو الذي سيحدد رؤيته، لكن عليه أن يستمع ويتفاعل مع نقاش مجتمعي نحتاجه حول مشكلات وقضايا الأسرة، ونأمل أن يفتح عقله وقلبه ووقته للحوار، وليس بالتجمل بأخبار وردود عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل بطريقة العلاقات العامة، إنما بدراسات وخطوات عملية وآليات واضحة، والاستعانة بخبراء علم النفس والاجتماع والدراسات المتخصصة والميدانية واستطلاعات الرأي، ودراسة واقع دور ومراكز الرعاية، وأن يضع تحت المجهر قضايا الطلاق والأمومة والطفولة، وحقائق اجتماعية مؤلمة عن قضايا تعكسها سجلات مستشفيات الأمل والسجون والمسكوت عنه داخل البيوت، كما نتطلع إلى الاهتمام بالأبعاد الأسرية والاجتماعية لشريحة المراهقين والشباب، خصوصاً أن من يرأس المجلس هو وزير العمل والتنمية الاجتماعية، والدور المنشود في التصدي لجبل جليد تلك القضايا، بسبل الوقاية مع الرعاية.
الأمر يحتاج إلى تعاون أكيد وهادف بين مجلس شؤون الأسرة وكافة الوزارات والقطاعات ذات الصلة، وفي مقدمتها وزارة الداخلية التي تحرص كل الحرص على تحصين المجتمع بمفهوم الأمن الشامل، أيضا وزارات: التعليم، والثقافة والإعلام، والعدل، وقطاع الدعوة، وبالقطع مجلس الشورى بتشريعات متقدمة تحمي استقرار الأسرة، ولا ننسى وسائل الإعلام التي يجب أن تتجاوز برامجها الأسرية حدود الطهي والتجميل والديكور، إلى رسالة بناء الوعي.
الطريق طويل لكنه مثمر بإذن الله، إذا تكاتف الجميع، ويبقى على الأسرة أن تتفاعل حتى لا نجدها في وادٍ آخر.

mahmoudx@gmail.com