-A +A
مها الشهري
ينتج التصنيف الفكري عن القناعة بفرض نمط التقليد السائد الذي تسيطر فيه بعض السلوكيات العامة على العقل الجمعي، ما يحرم الفرد من استقلاليته في أن يكون مسؤولا ومتزنا وقوي الإرادة، بينما يأتي الخروج عن هذا الإطار بخلق تشكلات عديدة تعتبر أن التقليد والعادات تخلفا مما يجعل التصنيف يتجسد في قالب من عدم التسامح ونبذ الآخر والبحث عن العثرات والزلات من أجل إسقاطه من حقه في قبول الناس، فالمجتمع لم يبن في تنشئته الاجتماعية أو مؤسساته التعليمية والثقافية والدينية على فهم الاختلاف، ما سبب أزمة في تفاعلاتنا وتعاملاتنا التي لا تستند إلى موازين أخلاقية، وإنما تكرس جهدها في البحث عن نصف الربع من نقطة الاختلاف لتصنع منها خلافا وتلغي بها الآخر ثم تبرر بها مقدار الكراهية والاحتقان الذي ينعكس عن قلة التسامح مع الذات ومع الآخرين، والراصد «للهشتقة» في تويتر سيدرك ذلك.
إشكاليتنا مع التصنيف تعكس القدر الذي تغيب فيه فرص الالتقاء والمشتركات الكامنة في الطبيعة البشرية، وفقدان هذه القيمة يشي بأزمة في الأخلاق أكثر منها في العلم والمعرفة، فلا يمكن تأسيس مجتمع ما على رأي واحد، ولا يمكن منعه من أن يكون متعددا، وسنجد اختلافا بين مكوناتنا كلما تطلعنا إليها بحيادية، تكشف عن تنوع متفاوت لم تبن عليه الصورة الظاهرية، وهنا سندرك أن الكثير من الناس يعيش الحياة التي يريدها ويرضي فيها احتياجاته النفسية والعاطفية، لكن البعض قد يتحدث بعكس ما يفعل وقد يناقض ذاته ليبقى محترما في محيطه العام.
المعيار الذي يقوم عليه التصنيف يأتي بحسب الاختلاف في المعتقدات وطرق التفكير، وهذا بالمقابل يعد مقياسا للقيم الأخلاقية التي يعبر عنها السلوك الشخصي للفرد، فيما يهمل الجانب الأهم الذي ينعكس عن التعاملات مع الآخرين، ولعل هذا التنافر سيساهم في خلق ثقافة جديدة وتعددية للأجيال المقبلة إذا وجد التصويب الجيد للمفاهيم، وحتى لا يتحول المجتمع إلى تكتلات أو تحزبات يلغي أحدها الآخر أو تصطنع كل واحدة منها لنفسها القيمة، حيث إن التصادم الذي يحدث يعبر عن ردود أفعال افتقدت قيمة الحوار والوعي للتعايش الحضاري.
ليس من الضرورة أن نتفق في أفكارنا، ولكن الضروري هو الاتفاق على القبول وعلى أساليب العيش المتاحة والممكنة مع تقدير الاختلافات والاعتراف بها، فإذا تقبلنا الآخرين واحترمنا حقهم، فإن هذا يسهم بشكل إيجابي في خلق مجتمع تفاعلي متكاتف ومتعدد، يحتضن أبناءه على قدر كبير من الوعي والحب.

maha3alshehri@gmail.com