-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
بالكاد بدأ العمل ينتظم، خاصة في الجهات الحكومية بعد شهر رمضان الذي عكسنا فيه حكمة النواميس الإلهية العظيمة بتعاقب الليل والنهار لتستقيم الحياة وصحة البشر، فأصبح الليل سهرا، والنهار خمولا ونعاسا ولا يفيد معاشا ولا مصالح العباد ولا صحة الأجساد.
في جلسة اجتماعية طرحنا قضية الدوام خلال رمضان، وكيف يمكن تصحيحه ليستقيم العمل مثل بقية الشهور، وكانت المفارقة أن الجميع على قناعة بتصحيح الدوام المتأخر، وانتقدوا السهر بلا جدوى بعد انتهاء صلاة التراويح التي لايؤديها البعض، وهذا واقع موجود والدليل على ذلك سهر الأسرة حتى صغار السن، وازدحام الشوارع والأسواق حتى قبيل السحور بساعة أو يزيد قليلا، لأن تأخير دوام العمل صباحا يغري المجتمع بأكمله بالسهر، وفي النهار تكون الأذهان مشتتة والأبدان متعبة.

هذه العادات السلبية تستسلم لها الغالبية العظمى على مدى شهر كامل كل عام، والنتيجة أن السهر غير المبرر يضيع صلاة الظهر وربما العصر من الذين ينامون حتى آذان المغرب للإفطار ومن لم يشبع نوما يكمله حتى صلاة التراويح.
لماذا لاتتم من الآن دراسة تصحيح دوام رمضان وفوائد ذلك، واستطلاع آراء شرائح أو طرح ذلك للنقاش المجتمعي ووسائله متاحة للجميع إليكترونيا وعبر وسائل الإعلام المكتوبة والفضائية، من خلال الخبراء والمتخصصين في الاقتصاد وعلم الاجتماع والأسرة والصحة النفسية، ليتهيأ الناس منذ فترة مبكرة لشهر الصوم القادم إن شاء الله.
نتذكر معركة بدر الكبرى كانت في العاشر من رمضان وانتصر المسلمون، ونتذكر بيوتنا أيام آبائنا وأجدادنا في الماضي عندما كانت البركة في نومنا الباكر عقب التراويح وحتى السحور وصلاة الفجر، وتبدأ أشغالهم مع طلوع الشمس. لكن البعض يتذرع بأن في ذلك تعارضا وهذا غير صحيح ولا حقيقي، وكم من مدمني السهر يقبلون على العبادات والتلاوة وهي ممكنة مع تنظيم الوقت خلال اليوم والليلة، فلا تعارض بين العبادات من جانب والعمل وسير الحياة والنوم من جانب آخر لو أحسنا استغلال وتنظيم الوقت.
لهذا يرى البعض وأنا منهم لو تمت دراسة تبكير الدوام الوظيفي خلال رمضان كالأيام العادية لكان أفضل وأجدى لصحة الإنسان والعمل وأداء العبادات دون خمول، وهذا هو الحاصل في معظم بلاد المسلمين، بل حتى الجاليات المسلمة في العالم تصوم وتؤدي أعمالها في مواعيدها مع الآخرين دون تأخير دوام الحضور أو وقت الانصراف بدعوى أنهم صائمون.
تطبيق دوام رمضان مثل بقية الشهور أنسب لأنه سيحد من الخلل الفادح في السهر وضعف الإنتاجية حتى في الأعمال المكتبية، لأن الإنسان ستتاح له ساعات نوم معقولة في الليل عقب التراويح وحتى وقت السحور، وإذا احتاج لساعتين إضافيتين يمكنه ذلك بعد صلاة الفجر ويبدأ يومه بنشاط.
العالم تقريبا بما فيه الدول الإسلامية تسير حياتها بانتظام في المواعيد ولا يغيرونها لمدة شهر كامل، فلا تتعطل الأعمال دون مبرر وتسبب هذا الارتباك اليومي في الأشغال ومصالح العباد بين دوام متأخر وساعات عمل أقل ولا مجال لمنافع وأداء مصالح. وهذا الإهدار لمدة شهر كامل يعني أن العمل في كافة الدوائر أو معظمها هو 11شهرا في السنة، فكيف يرجى جدوى ونحن نبدأ رؤية المملكة 2030 وتحتاج لكل دقيقة لتحقيق أهدافها. نتمنى دراسة ذلك واستعادة قيمة شهر كامل من العمل الذي لا يزال يضيع سدى.