-A +A
مها الشهري
طرأت الكثير من التحولات على الأسرة في المجتمع السعودي أثناء انتقالها من نمط أسرة التوجيه «الممتدة» إلى أسرة النواة الزواجية، وبرغم أن هذه المتغيرات كانت ستسمح بالتخلص من بعض الأعباء الإجبارية، إلا أنها افتقدت الكثير من العوامل والمقومات التي غيرت من ديناميات نظام العلاقات وفتحت من تلك الأعباء مجالات للصراع، يحضر فيها التملك بشدة أو الإهمال والتباعد المفرط، ويكمن ذلك في النظام العلائقي بين الأزواج وأبنائهم من جهة وبينهم وبين أسرهم من جهة أخرى، وهي في المحصلة قد سلبت دور الفرد واستقلاله الذاتي ولم تهذبه على الرشد والمسؤولية، وغيبت وعيه عن حدود صلاحياته وتعاملاته مع محيطه، وسنلاحظ مدى ما تفتقده الأسر من سياسات الرعاية الأسرية والتدخلات الإرشادية بالتطلع إلى كثرة المشكلات الاجتماعية الناتجة عن نقص أساليب التنشئة وأدوارها التربوية، ذلك أيضا في ظل غياب عوامل التأهيل للزواج الذي يبنى التفاهم الزوجي والأسري من خلالها وعليها يقاس مدى اقتدار الأسر ومسؤوليتها في الإنجاب والتربية.
في خطوة غير مسبوقة وافق مجلس الوزراء منذ أيام على إنشاء مجلس لشؤون الأسرة وأسند مهام تنظيمه لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وهو من أهم المشاريع الإصلاحية التي طال انتظارها، فالإصلاح الاجتماعي في حقيقته يبدأ من الأسرة، مما يساعدها في القيام بدورها الحيوي ووظائفها بفاعلية لضمان تماسكها واستمرارها وتأثيرها الإيجابي في المجتمع، ومن الجيد أن يتبنى هذا المشروع جميع العوامل الوقائية إلى جانب العلاجية منها من أجل تمكين الأسر ومساعدتها في الحصول على روابط عاطفية معتدلة، حيث إن التدخل الإرشادي يساهم في تطوير وتعزيز البنيوية الصحية للمحافظة على المرونة وضبط التفاعلات وتنظيمها بداخل الأسرة وبالتالي توازن علاقاتها.

سيكون وضع الإستراتيجية الشاملة ضمن إطار العمل المؤسسي المتكامل أمرا جيدا في اعتبارها لجميع المبادرات التي تحقق عملا متكاملا نرجوه في إنجاح هذا المشروع، ومن ذلك فلا بد من فتح مراكز خاصة بشؤون الأسرة تابعة للأحياء تقام فيها الأنشطة التوعوية وتكون مرجعا مباشرا للأسرة في الدعم وحل مشكلاتها، ومن ثم إلزام كل أسرة باشتراك سنوي وبسعر رمزي يضفي لمفهومها قيمة واعتبار، وقد كان لذلك نموذج ناجح في التجربة الكندية للمراكز الأسرية يمكن الرجوع إليها، كذلك لا بد من رفع الوعي الحقوقي والمعرفي والثقافي من خلال التعليم والصحة والإعلام وغيرها من الجهات، في الحين الذي أصبحت فيه جميع مناحي الحياة بحاجة إلى كفاءة علمية ومعرفية تمكن الأسرة وتساعدها على القيام بدورها وإدارة شؤونها.