-A +A
بشرى فيصل السباعي
مع نشوء أنظمة الدولة البيروقراطية الحديثة في القرن الماضي وصياغات معاملاتها القياسية الرسمية نشأت مهنة العرضحالجي «الذي يعرض حال الشخص بصياغة رسمية» حيث إنه وبسبب شيوع الأمية وكون الكثيرين كانوا مستجدين على الثقافة المدنية البيروقراطية ظهرت الحاجة لأشخاص يجيدون الكتابة ويعرفون صيغ المعاملات البيروقراطية الرسمية، وهذا أوجد مهنة كان أصحابها ينصبون طاولاتهم أمام المنشآت الرسمية ويقومون بكتابة المعاريض الرسمية نيابة عن المراجعين، وانقرضت هذه المهنة تدريجيا في نهايات القرن الماضي مع شيوع التعليم وتعود الناس على البيروقراطية، لكن مؤخرا عادت وبقوة مهنة «العرضحالجي» في السعودية للتعويض عن الأمية الجديدة وهي الأمية في توظيف الحساب الآلي والإنترنت للقيام بالإجراءات الإلكترونية الرسمية التي باتت متاحة عبر الحاسب الآلي الشخصي والإنترنت مع تزايد التحول إلى صيغة الحكومة الإلكترونية، ولأن كثيرا من جيل الأجداد والآباء حاليا ليس مواكبا لها وليس لدى الكل أبناء متمكنون تكنولوجياً أو بارون يجد الكثير منهم أنفسهم مضطرين للاستعانة بالعرضحالجي الإلكتروني أو الإنترنتي «مشتقة من الإنترنت» الذي يقوم بالإجراءات الإلكترونية ومنها تسديد الفواتير عبر الإنترنت بالنيابة عنهم، ويمكن في كل دائرة رسمية رؤية جيل الأجداد والآباء ضائعين بالإجراءات الرسمية التي تتم عبر الإنترنت ولا يعرفون كيف يقومون بها ولا إلى من يلجؤون والموظفون لا يراعون حالهم، وبهذا العرضحالجي الإلكتروني يقوم بخدمة جليلة وبنفس الوقت هي مهنة يكسب منها وأفضل من البطالة، لكن لازالت هذه المهنة لم تشع عند النساء رغم أن حاجتهن إليها أكبر من حاجة الرجال لأن الأمية العادية والتكنولوجية لديهن أكبر خاصة أن جيل الأمهات الكبيرات لم يدرسن الكمبيوتر في المدارس حيث كان تدريسه مقتصرا على الذكور فقط ونسبة من الأهالي لا يسمحون لبناتهم ونسائهم بالإنترنت ولهذا حاجتهن لمن تمتهن مهنة العرضحالي أكبر حتى لا تضيع حقوقهن وتتعطل مصالحهن وهي مهنة ميسرة للباحثات عن عمل، ولهذا في هذه المرحلة الانتقالية هناك حاجة لإقامة صفوف لمحو الأمية الجديدة وهي الأمية في استخدام الكمبيوتر والإنترنت والخدمات الحكومية الإلكترونية لأنها وإن جعلت حياة الغالبية أسهل لكنها جعلت حياة من لا يجيدها أصعب وأشعرتهم بالضياع في بحر التكنولوجيا الحديثة وخدمات الحكومة الإلكترونية، وبالعموم الروتين البيروقراطي تضخم وتضاعف تعقيده لأنه أضيف للإجراءات الورقية المعتادة نظيرها الإلكتروني عبر الكمبيوتر والإنترنت وكان يفترض أن يحل محل الروتين الورقي ويلغيه، لكن الواقع أن كثيرين باتوا يحتاجون لعرضحالجي إلكتروني بالإضافة «للمعقب» الذي يوكلونه بملاحظة إجراءات الروتين الورقي.