-A +A
علي بن محمد الرباعي
لكل مجتمع قيم. القيم ترتقي وتهبط بقدر حضور ثقافة الإنتاج أو غيابها. القرية كانت نموذج للشقاء اليومي في سبيل توفير لقمة العيش. والقسوة سمة مشتركة لم ينج منها إلا قلّة. لكن عندما بلغت القسوة حدا لا يحتمل تبرمت رفعة وشعرت بالقهر. وكان لزاما أن تبحث عن شقيقها وسندها. الكائن الحر لا يقبل الإذلال. هناك خيط رفيع بين الشقاء المحمود وبين الاستضعاف والإذلال وانتهاك كرامة الإنسان والتطاول على حقوقه.
رفعة ثائرة لسببين الأول: غياب العزوة متمثلة في أخ شقيق لم يلتفت إلى الوراء منذ غادر المنطقة. والثاني: تجاوز الأخ لأب للمنطق والأخلاق والقيم بتوحشه على مخلوق إنساني من لحم ودم وهي من شعر اللحية كما يؤكد المثل. رفضت المذلة واستجابت لنداء داخلي فالحركة بركة. ومن هاجر اتقاء للظلم وقع أجره على الله. «ولا يقيم على ذل يحيط به، إلا الأذلان عير الحي والوتد» .

في مكة جاء الفرج متتابعا بعد رحلة عناء. صادفتها سيدة كريمة من سيدات المجتمع المكي الراقي بإنسانيته. احتوتها. سمعت قصتها. مسحت دمعتها، ومنحتها دفء أمومة ربما لم تحلم به، قالت لها: «نحن لم نرزق بذرية وأنتِ بنتنا التي أنعم الله بها علينا في خريف العمر». أخذتها للبيت وأعادت صياغتها من الألف إلى الياء، ونالت على يدها من العطف واللين وطيب العيش ما دمس جراح الأمس. إنها العناية الإلهية «وإذا العناية راقبتك عيونها، نم فالمخاوف كلهن أمان». بعد أيام غدت رفعة سيدة الدار ومسؤولة عن أدق التفاصيل فيه. بيدها مفتاح الخزنة وهي تطلب احتياجات البيت وتطبخ وتغسل وتنشر بكل أريحية وشتان بين عمل تؤديه وأنت مكره. وعمل تنجزه مختارا طائعا. لم يتوقف لسان السيدة المكية وزوجها عن الدعاء بالخير والبركة لهذه البنت الطيبة الراقية الرقيقة، ولم يبخلا عليها بشيء فاكتملت أنثى وتأهلت زوجة.
ذات يوم لمحها سقا قروي يجلب الماء بالزفة ويصبها في الحنفية والزير. تعلق قلبه بالإنسان. وفاتح صاحب الدار أنه يرغب في الزواج من ابنته. لم يناقشه الأمر. وإنما قدم العرض لرفعة. قالت: أوافق بشرط يا سيدي.
للحديث بقية وسلامتكم.