-A +A
مها الشهري
كلما ظهرت الحركات الاحتسابية في مواجهة الفاعليات وما يتبعها من اصطفاف الرأي العام بين مؤيد ومعارض أدركنا حجم الفجوة بين الفنون وتذوق جمالها، الأمر الذي يفقد الفن رسالته ومعناه وكذلك أهدافه، وهذا يفسر حجم الإصابة العميقة في الذائقة الفنية، حتى عند بعض أولئك الحالمين والقابعين على عتبة آلامهم.
يشير فقدان المعنى والقيمة من تذوق الجمال إلى وجود حالة من اليأس تغلبت على القدرة في إيجاد الطريق إلى الحلول وفرص الحصول على السعادة، ومن الغريب أن يشكك البعض في اعتبار أن الاستمتاع بالفعاليات والاحتفالات المنظمة يعني التجاهل للأزمة السياسية التي نمر بها والرجال الذين يضعون صدورهم لحماية وطنهم في الحد الجنوبي، ومن السيئ أن يصور الاستمتاع والفرح كجناية على الضمير المجتمعي، هذا بالرغم من أنهم هناك لكي يأمن ويفرح الجميع، ما يعني أن الغاية من إحياء مظاهر الفرح والفنون تكمن في قيمتها المعنوية بمدى إسعاد الناس والترويح عنهم، ولكن حقيقة الرفض القيمي هي التي تظهر من التعبير بمثل هذه الآراء كتبرير لرفضها، وكأن الفنون ليست من الأمور التي تستحق النهوض وتتطلب العمل.

كان للفنون القديمة قيمة جمالية استصعبت الارتباط بحاضرنا، وأصبحت عرضة للجمود بسبب فقدانها للتطوير، ذلك بفعل العوامل التي أسهمت في عرقلة المسيرة الفنية، مما شكل صعوبة في التواصل بين التراث والأعمال الفنية الحداثية، بينما ساهمت فلسفة التحريم الأعمى في خلق هذه الفجوة وتحوير مشاعر الناس بالخوف من الاستئناس أو التعبير من خلالها، هذا بالرغم من أن الفن يتعامل كأحد أساليب التأثير الجمالي والروحاني ويأخذ له أشكالا من الاستجابة الطبيعية والفطرية لدى البشر، وقد ارتقى بوعي الإنسان ومعرفته على مر العصور، ولم ينتهجها الإنسان إلا لمواجهة الحياة وجعلها أكثر ملاءمة.
إن التلازم بين الألوان الفنية التراثية والحاضرة لا يتحقق إلا بوجود التجديد في أساليب الفن، وهذا يحتاج إلى عملية إبداعية تساعد في تشكيله وفق منظور المهتمين والمتخصصين وترجمة رؤاهم الخاصة على أرض الواقع، وإذا كنا سنتطلع في البحث عن حضارة ما فسنبحث كثيرا عن أشكال الفنون التي تختزنها كأسلوب مباشر في التعبير عن تلك الحضارة،
ومن أشد ما يجلب الأسف على مجتمعنا أن يظهر وكأنه معدم من ذائقته الفنية وبشكل مفرغ من معناها الحضاري!