-A +A
بشرى فيصل السباعي
قصر النظر للأحداث على المنظور السياسي فقط يضيع فرصا نادرة لإحداث قفزات إلى مستويات أكثر نضجا في الوعي الحضاري والثقافي والاجتماعي كما هو الحال مع الانقلاب الفاشل في تركيا والذي عايشه السعوديون والعرب لحظة بلحظة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وعاشوا مع الأتراك قمة شعور الصدمة والإحباط ثم ذروة شعور حماسة الهبة الشعبية للدفاع عن خيار الشعب في الحكومة التي انتخبها ونشوة انتصارهم، وبعيدا عن كل الاستقطابات والتحليلات السياسية للحدث، أتمنى أن نحفظ جيدا شعور الشعب التركي وشعورنا الذي تعاطف وتضامن وتماهى معه في نشوة الإحساس بقوة وحدة الشعب التي أسقطت خلال ساعات انقلابا عسكريا كانت تحت يده طائرات حربية ودبابات وأسلحة ثقيلة استعملها ضد الشعب، لكن قوة وحدة الشعب بكل مشاربه وانتماءاته المختلفة أسقطت ذلك الخطر الذي تهدد بلدهم، فوحدة الشعب على اختلاف انتماءاته ومشاربه هي القوة العظمى في أي بلد والتي تحميه من كل أنواع الأخطار والمؤامرات المتربصة بأمنه واستقراره، وخطر لي التساؤل عن شعور البغدادي تجاه توحد الشعب هذا وهو زعيم التكفيريين الذين فرقوا وحدة المسلمين في مواطن كانت وحدتهم كفيلة بجعل الحال غير الحال وفرقوا حتى الأهل وجعلوا الأبناء يقتلون أهاليهم، وكفروا كل المسلمين لأن الإسلام عندهم هو فقط بالانتماء لجماعتهم التي باتت مغناطيسا للساديين والسيكوباتيين والمرضى النفسيين والعقليين، وبالمثل أثر غيرهم من دعاة الديماغوجية «التحريض على التعصب العدواني تجاه كل من ليس من انتمائهم» فتسببوا في تمزيق شعوب العالم العربي والإسلامي وجعلوهم يقتلون بعضهم البعض، ولنقارن هذا الحال البائس في الدول التي تعاني الحروب الأهلية بسبب انصياع الغوغاء والدهماء لدعوات التحريض الديماغوجية بكل غمه ويأسه وتعاسته وإحباطات عبثيته وعدميته وما أورثه لتلك البلدان من ضعف وانهيار.. بحال نشوة قوة توحد الشعب كما حصل في هبة توحد الشعب التركي والتي تماثل هبة توحد الشعب الفنزويلي ضد الانقلاب على رئيسهم تشافيز، فأرجو ممن يدعو لعصبية من أي نوع وصلت لدرجة تفريق الأزواج الذين تزوجوا برضى أوليائهم لأجل عصبيات قبلية جاهلية، أرجو أن يتوقف لحظة مع نفسه ويتذكر شعوره بنشوة قوة وحدة الشعب التركي ليعي أن حال فرقة العصبيات وشق الصف والتحريض على المختلفين بالمشارب والانتماءات الذي يؤدي لتفتيت وحدة الشعب هو حال دوني يحبط الروح الجماعية ويعطل الجهاز المناعي لجسد الوطن الذي يحميه ممن يتربص به من قوى خارجية لا تبالي بتحول البلد إلى جحيم لكل أهله.