-A +A
علي بن محمد الرباعي
وُلِدَتْ في بيت عز ورخاء. تشرّبت قيم الحب والخير والعدل والإحسان والجمال. رضعت من أمها الشيمة وكرم النفس والعفة. وتعلمت على يد أبيها مكانة العمل ومعنى الوفاء. في ريعان صباها ماتت أمها. وتحمّل أبوها مسؤولية العناية بها. كان شديد الاعتداد بهذه المنحة الربانية. إذ كلما نابه أمرٌ اعتزى قائلا (أبو رفعة). سرعان ما لحق الأب بالأم.
بقيت وحيدة وحل البؤس محل الرخاء. بعد أن سافر شقيقها ليجاود في مكة. ليتولى أخ غير شقيق سومها سوء العذاب. ينكّل بها بصنوف التكاليف ممكنة ومستحيلة. تجتهد نهارا لإرضائه، ويقلقها ليلا إرضاء لزوجته. إن بدأ الحرث طلب منها حمل اللومة وقيادة الثيران إلى الركايب. وإن حلّ الحصاد أمرها بحمل الأمحاش وسبقه إلى الوادي. إضافة إلى رعي الغنم وتنظيف البيت وكنس مراح الحلال وحلْب البقرة وتأمين الأعلاف اللازمة لكل شدق كونه لا يؤمن بأن لكل شدق رزقا. ذات مساء قررت الهرب من الجحيم دون أي حسابات لما ستؤول إليه الأمور.

تبعت قافلة مسافرة من القرية إلى الطائف. لم تكن تقلق سوى على عفتها من (قاطع طريق. أو ناشف ريق. أو عدو في ثياب صديق) لم يشعر القائمون على القافلة أنها معهم كانت تترك مسافة بينها وبينهم. تحاذيهم نهارا. وتقترب منهم ليلا. حتى نفد زادها وأنهكها الجوع. اقتربت في ليلة ثانية منهم وهم متحلقون على صحن (دغابيس وطبيخة دجر). انتبه أحدهم. فزّ وفتح معها حوارا شرحت له الحال البائس الذي كانت عليه، وانقطاع أخبار شقيقها. وأكدت أنها تنوي الذهاب إلى مكة بحثا عنه. دعاها للانضمام للقافلة وغرف لها ما تيسر من العشاء. وأعطاها الأمان (تراك في وجهي) أركبها جمله المحمل باللوز . اطمأنت. نامت نوما متقطعا. بلغت الطائف بعد ثلاثة أيام انتابها فيها من المخاوف والشكوك والظنون ما يهدّ الجبال إلا أن الله خير حافظا وهو أرحم الراحمين. من الطائف استلمها من الجمّال الثقة رجلٌ مؤتمنٌ انتقلت معه على جمله إلى مكة ومضى عليهما ليل بطوله ونهار بكامله. أوصلها حلقة الجمالة. أنزلها تلفتت يمينا ويساراً انحازت إلى جدار منزل وغفت أو ربما نامت وإذا بكفٍّ حانية تربت على كتفها ..للحديث بقية وسلامتكم.