-A +A
علي بن محمد الرباعي
باتت القرية هادئة إلا من نقنقة ضفادع وصفير ساري الليل. عزم سحمي بعد عناء طويل في حمل حجارة البناء أن يشتري جملا. سأل أهل الخبرة فنصحوه بجمل عند رجال من أهل حزنة. «والجمال من مرباها والنسوان من منشاها».
اشترى جمله ولم ينس المرور بمسجد لقمان. لقي حوله قوما يختصمون. مجموعة تريد إزالة القبة لأنها من الشركيات. لا مناص من هدمها وهدم المسجد. وآخرون يقولون والله أنها قبة مباركة لسيد من السادة الكرام وليس فيها شرك ولا هم يحزنون.

قنع القرويون فبدؤوا يهدمون مرددين «يا الله يا للي ما تكل أبصاره. والنفس إذا فاضت يردها. إن كان تحت القبة شارة. ما بيخلينا نهدّها».
رصدت حليمة سحمي وجمله من مدخل القرية مرورا بالمساريب. فتحت المصراع ورحبت بشريك العمر وربطت الراحلة المباركة ووضعت لها الماء في الطشت. في صبيحة اليوم التالي لم يجد سحمان جمله. وعلم أن شقيقه سحيم سرح به المشرق ليحتطب في جمع من الجمالة. في طريق العودة كان في المجموعة شخص يجيد النفث في العقد فبدأ يشحن سحيم على سحمي ونصحه أن لا يفك عن الجمل حتى يظن الناس أنه له. صادف الشحن هوى في نفس أخ متحامل يرى أنه أحق بالجاه والمرجلة.
عاد بالحطب. طلب من سيدات الدار أن يحططن حمل البعير ويدخلن الحطب إلى السفل فالشتاء على الأبواب. دخل البيت ولم يسلم على أخيه. علم سحمي أن أولاد الحرام دقوا وتدا في العلاقة بين الأخوين. استنصح سحمي صديقا فقال لا تتكلم بل قل لأخيك «جعل الدنيا فداك والجمل وصاحبه رهن يديك». في ليلة من ليالي الخير مر الشاعر أبو عساف بالقرية وربما استشعر الشاعر ما في النفوس فقال «أهل الجمل لو كان متغانين ما أكروه. مد كفك بالكرى هات. وكل جمّال ضري وعلى كراوي».
صبيحة اليوم التالي شرح الله صدر الأخ فتسامح من أخيه ومدّ له بريالين فضة. قال سحمي «والله ما تروحني»، قال: والله لتأخذها أنت أخي وأنا أخوك إلا عند كرى الجمل. علمي وسلامتكم.