-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
الجرائم الإرهابية الانتحارية الغادرة في جدة والقطيف ثم في المدينة المنورة بجوار المسجد النبوي الشريف وقت الإفطار في ختام شهر رمضان، أصابت الجميع بالصدمة، ليس في بلادنا فقط إنما الأمة جمعاء؛ مما بلغه المفسدون في الأرض من خسة ودناءة دون أدنى مراعاة لحرمة المكان والزمان والدماء المعصومة، وقد سبق مؤخرا ضبط خلية مسلحة في مكة المكرمة، وهذا يفضح مخططا أكبر من الانتحاريين؛ أزلام وأدوات الشر، يستهدف المساس بأمن المملكة واستقرارها خاصة حماية المقدسات.
بسالة رجال الأمن، ولله الحمد، وتضحيات الشهداء والمصابين، حالت دون النيل من قاصدي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل تلك الجرائم الإرهابية لا ولن تنال -بإذن الله تعالى- من حقيقة رسوخ الأمن والاستقرار في بلادنا، ولا تؤثر أدنى تأثير في قدرتها وعزيمتها، وهي الأكثر نجاحا وإسهاما في التصدي للإرهاب. وقد تابع العالم سرعة التعامل مع الحدث الآثم، وكفاءة رجال وأجهزة الأمن والطوارئ، وأدت الجموع الصلاة في أجواء إيمانية وبكل طمأنينة وسكينة.

يعرف القاصي والداني وكل من لديه ذرة فهم وعقل، أن هذه الحشود من المصلين والزوار، ليل نهار، تعمر بهم أروقة المسجد النبوي الشريف وساحاته الخارجية، كما هو الحال في مكة المكرمة، ويقوم على تنظيمهم وراحتهم أكثر من ألف عنصر أمني في كافة المواقع وعلى امتداد المنطقة المركزية، وأجهزة الطوارئ والمرور لتنظيم الحركة من وإلى الحرم النبوي الشريف، فرادى وجماعات، من كل شارع وطريق وكل اتجاه على مدار الساعة من الفجر حتى انتهاء صلاة القيام في رمضان وما بعد صلاة العشاء في غير رمضان، فأين يوجد مثل هذا المشهد اليومي خارج المملكة التي تستقبل ملايين المعتمرين والزوار في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وملايين الحجاج خلال موسم الحج.
إن أمن ضيوف الرحمن وبهذه المستويات من الرعاية والخدمات وأسباب السلامة، أبلغ رد على بعض المنظّرين عن جهالة أو غرض ومرض في إعلام خارجي وإليكتروني، تسمع منهم عجبا في التسطيح والتضليل، ويتصورون أو يزعمون قصورا في منع جريمة يتموه منفذها كالحرباء ويتسلل كالأفعى وسط البشر؛ وهو انتحاري، قاتل، ملغم الجسد، جعل من نفسه قنبلة، ومع ذلك أثبت رجال الأمن خبراتهم ويقظتهم، وكثيرا ما اعترضوا اشتباها بمثل هؤلاء المجرمين وجنبوا البلاد والعباد شرورهم، وقد حدث هذا النجاح في أكثر من عملية؛ وآخرها اعتراض الانتحاريين الهالكين. والبعض الآخر بعمى بصيرة وتضليل وحقد، يحاول ربط وجود عناصر ضالة مفسدة مؤكد وجودها كأي مجتمع، بتشويه منهج الوسطية في المملكة، وهي المستهدفة من الإرهاب، وتتصدى لشروره وأسبابه داخليا وخارجيا دونما هوادة.
تبقى نقطة مهمة تستوجب على الجميع المسؤولية ولا مجال لإهمالها وهي: كيف يتم تجنيد وتفخيخ هؤلاء الانتحاريين خاصة الذين جعلوا من أنفسهم قنابل موت وهم في سن المراهقة والشباب، وبلغوا هذا الحد من غسل أدمغتهم وحشوها بثقافة الكراهية وهلاك النفس والقتل الجماعي، واستهداف بيوت الله، حتى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الغضب والإدانة ليست نهاية الأمر، إنما المسؤولية الواجبة لكل أسرة غافلة عن رسالتها ودور مؤسسات المجتمع، فلنكن واقعيين وصادقين في محاسبة النفس، وكما قال رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» وفي هذا يتجدد الحديث بإذن الله.